معضلة البكتريا الخارقة

‏كعاملين في القطاع الصحي, دائماً ما يتكرر على مسامعنا قصص متعلقة بعدم فعالية المضادات الحيوية.

وعلى سبيل المثال هناك الآلاف من المرضى الذين يفقدون حياتهم في غرف العناية المركزة في مستشفيات العالم بشكل يومي ومتكرر ، بسبب الصدمة الإنتانية التي تؤدي الى انخفاض شديد في ضغط الدم ومن ثم الوفاة.

وهنا نطرح السؤال التالي : مامدى حجم مشكلة مقاومة البكتريا للمضادات الحيوية في المملكة ؟
سنلاحظ من خلال التتبع التاريخي للأبحاث الطبية على قواعد البيانات أن المشكلة قديمة وسنجد أن اول بحث نشر عن مشكلة مقاومة المضادات الحيوية في السعودية كان في الثمانينات، وقتها نشر الدكتور حسين قادري وزملاؤه من مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث مقارنة علمية بين أنواع البكتريا المقاومة للمضادات الحيوية في السعودية والولايات المتحدة.

واستمرت الأبحاث في هذا المجال وازدادت مع زيادة تفاقم المشكله ومن الأبحاث الحديثة في هذا الموضوع ما نشره أحد الأطباء العاملين في مستشفى الطائف ، حيث أثبت خطر المقاومه البكتيريه للمضادات الحيويه في حالة جرثومة المعدة المسببة للقرحة المعدية.

ونلاحظ من خلال الاستطلاع التاريخي للأبحاث عدم وجود ابحاث حديثة تغطي المسكله بشكل عام في المملكة إلا أن هذه الفجوة المعرفية حاول الدكتور حسام زواوي الحاصل على الدكتوراه في الأحياء الدقيقة من جامعة كوينزلاند في استراليا وزملاؤه سدها حيث قاموا بمراجعة شاملة للمشكلة في المملكة ونشرها في المجلة الطبية السعودية عام 2016م.

واشار في بحثه أن مشكلة مقاومة المضادات الحيوية في المملكة آخذه في الانتشار ، مشيرا على سبيل المثال لا الحصر الى مقاومة بكتريا استينوباكتر بوماني (Acinetobacter baumannii) .

وأرجأ الدكتور زواوي ذلك إلى عدة أسباب منها سوء الاستخدام للمضادات الحيوية وكثرة الزوار القادمين من خارج المملكة والذي يؤدي إلى جلب أنواع جديدة من البكتريا خاصة في موسم الحج.

بالإضافة إلى ذلك أشار زواوي إلى أن معضلة مخالفة اتباع الممارسات السليمة لمكافحة العدوى في المستشفيات مثل عدم تعقيم الأيدي أدى بشكل مباشر إلى ارتفاع في انتشار هذه البكتريا.

وكشف زواوي عن الخطة التي وقعتها المملكة في الأمم المتحدة بهذا الشأن في عام 2015م والتي تتضمن التوعية بالمشكلة و الاستخدام الأمثل للمضادات الحيوية.

وقدم الدكتور زواوي مجموعة من المقترحات للسيطرة على المشكلة في المملكة باجراء مجموعة من الحملات الإعلانية التي تستهدف المجتمع بطريقة مناسبة وخاصة في شبكات التواصل الاجتماعية وكذلك سن قوانين للاستخدام الأمثل للمضادات الحيوية سواءً من ناحية الصرف في صيدليات المجتمع أو داخل المستشفيات من خلال برنامج الستيواردشيب (Stewardship program ) والذي يقنن من استخدام المضادات الحيوية للمرضى المنومين ويضمن استخدامًا أكثر ملاءمة للمضادات الحيوية.

إن اساءة استخدام المضادات الحيوية منحت البكتريا فرصة لتطوير اجيالها و تغيير هندستها الوراثية ؛لإنتاج جيل  قادر على مقاومة مفعول المضاد الحيوي – مما يودي الى تقليل او عدم الاستجابة للدواء- قد تصل بنا الى مرحلة يصعب معها معالجة الامراض البكتيريا خصوصا اذا تمكنت البكتيريا من تطوير جيل مقاوم لجميع المضادات الحيوية.

مشكلة مقاومة البكتريا للمضادات الحيوية عالمية تهدد الصحة العامة والبيئة في كل جزء من أنحاء العالم بشكل لا يمكن تصوره ومحاربتها مسؤولية الجميع ولا تقتصر على الممارسين الصحيين فقط ويجب علينا كمجتمع سعودي المشاركة في الجهود العالمية لمحاربة هذه المعضلة قبل فوات الأوان.

*كلية الصيدله – جامعه الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية

[email protected]