“آل الشيخ” في خطبة الجمعة: أشد صور الشقاء أن تقع الابتلاءات والغافلون مستمرون في غفلتهم

أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل غزاوي، المسلمينَ بتقوى الله عز وجل في السر والعلن ابتغاء مرضاته سبحانه.

وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم، بالمسجد الحرام من فضل الله على عباده أن جعل منهم سباقين في فعل الخيرات، مقدمين في إحراز شرف السبق في القربات، أوائل في المحاسن والفضائل وهم للناس قدوات، وهذا من أكبر نعم الله على عبده أن يكون إماما يهتدي به المهتدون ويأتمّ به المتقون ويسلك طريقَه السائرون.

فمنهم من أشاد الله بسبقه فهؤلاء العظماء كانوا بأوليتهم مشاعل هدى لغيرهم وقدوات خير لمن بعدهم.

وأضاف الشيخ الغزاوي، مما اعتنى به الصحابة الكرام ذكر أول من أسلم منهم في روايات وردت عنهم، قال ابن كثير رحمه الله: "والصحيح أن عليا أول من أسلم من الغلمان كما أن خديجةَ أولُ من أسلم من النساء، وزيدُ بن حارثة أولُ من أسلم من الموالي وأبو بكر الصديق أول من أسلم من الرجال الأحرار"، وقال ابن حجر رحمه الله: "ومما اختصت به -يعني خديجةَ رضي الله عنها- سبقُها نساءَ هذه الأمة إلى الإيمان، فسنت ذلك لكل من آمنت بعدها، فيكون لها مثل أجرهن، لما ثبت (أنه من سن سنة حسنة فعُمل بها بعده كُتب له مثل أجر من عمل بها لا يَنقص من أجورهم شيء) وقد شاركها في ذلك أبو بكر الصديق بالنسبة إلى الرجال، ولا يَعرف قدرَ ما لكل منهما من الثواب بسبب ذلك إلا اللهُ عز وجل"

وتابع أن هذا الفضل الذي أحرزه هؤلاء السابقون بأن كانوا أول من أسلم وجهه لله واتبع دين الحق من هذه الأمة فنالوا شرف السبق وكانوا قدوة لغيرهم بأن تتابع الناس بعدهم يلتحقون بركب المؤمنين الناجين، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "أول من أظهر إسلامه سبعةٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد" وهي كرامة وأي كرامة أن يبادر المرء بالدخول في دين الله ويُشهرَ إسلامه مخالفا لما كان عليه قومه من الضلالة والكفر صابرا على ما يلاقيه من أذى المشركين متمسكا بدين الله القويم ثابتا عليه داعيا إليه.

ومضى فضيلته قائلاً ممن يذكر في الأوائل ويشاد بسبقه في الفضائل خليل الله إبراهيم عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان أولَ من ضيف الضيف إبراهيمُ)، وقد أثنى الله تعالى عليه في كتابه العزيز في إكرام ضيفه من الملائكة الكرام وهذا العمل الجليل منقبة عظيمة له؛ إذ كان أولَ من بدأ هذه الخصلة الحميدة من خصال الخير وتتابع الناس بعده يضيفون الأضياف ويكرمون النزيل حتى جاء الإسلام فرفع شأن هذا الأدب العظيم وجعله شعبة من شعب الإيمان إذ قال صلى الله عليه وسلم: (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) وقد أجمع العلماء على أن إبراهيم عليه السلام أولُ من اختتن، ثم تتابع الأنبياء على ملة إبراهيم عليه السلام، ومنها فعل هذه الفطرة الإسلامية بأن استمر الختان بعده في الرسل عليهم السلام وأتباعِهم.

ومن أمثلة الأولية في الخير أن عُمَرَ رضي الله عنه لما استأمر النبي صلى الله عليه وسلم في أرض بِخَيْبَرَ أَصابها، قَالَ له صلى الله عليه وسلم: (إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا)، قال ابن عُمَرَ رضي الله عنهما فيما أخرجه أحمد وغيره: أَوَّلُ صَدَقَةٍ أَيْ مَوْقُوفَةٍ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ صَدَقَةُ عُمَرَ، وَهذا الحَدِيثُ الوارد في قصة عمر أَصْلٌ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْوَقْف، ثم توالت أوقاف الصحابة الكرام رضي الله عنهم فمَن بعدهم يبتغون مرضاة الله، والتقرب إليه.

وبين إمام المسجد الحرام أن من السبق في الخير ما رواه جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (أول من رمى بسهم في سبيل الله سعد بن أبي وقاص) فَفي الحَديثِ مَنقبةٌ ظاهرة لِسَعْد رَضي الله عنه بِبَلائِه وسابِقَتِه في الإسْلامِ ودفاعه عن حياض الدين وذوده عن حماه، وقد كان سعد رضي الله عنه يعتز بهذا الشرف فيقول: (إني لأولُ العرب رمى بسهم في سبيل الله).

وقال مما يذكر في هذا الباب أن سمية أم عمَّارِ بن ياسر رضي الله عنها هي أول شهيد في الإسلام، وكانت ممن عُذب في الله عز وجل لترجع عن دينها فلم تفعل، وبذلت روحها في سبيل الله ونالت تلك المكرمة، ومن الأوائل بلال بن رباح في أذانه فعن القاسم بن عبد الرحمن أنه قال: (أول من أذن بلال) فأكْرِمْ بهذا العمل الجليل الذي هو شعارٌ من شعائر أهل الإسلام، ومن أفضل القربات، وهو الدعوة إلى الله عز وجل دعوة إلى أداء الصلاة عمود الإسلام.

ومما يذكر في الأولية حرص عمر بن عبد العزيز رحمه الله على جمع السنة بأن كَتَبَ بذلك إلى أبي بَكْرِ بن حَزْمٍ وأمر ابنَ شهاب الزهريَّ بذلك أيضا، قال ابنُ حجرٍ رحمه الله: "أول من دوّن الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المئة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد.."، فانظروا رحمكم الله كيف تتابع التدوين والتصنيف في السنة النبوية بعد ذلك، ومما يجدر ذكره هنا أن أول من صنف في الحديث الصحيح المجرد الإمام البخاري رحمه الله ثم تبعه في هذا من تبعه.

وأضاف: كم في الماضين من سلفنا الصالح من الأوائل الأمجاد الذين ضربوا أروع الأمثلة في التنافس على الخير وكان لهم شرف السبق وفضل الصدارة في العلم والعمل؛ فما أحوج الأمة اليوم إلى سابقين مبادرين في وجوه الخيرات مبدعين متقنين مستفيدين من وسائل العصر وإمكاناته يُعرفون بأوليتهم وسابقتهم في الجد والمثابرة والاجتهاد مستندين في ذلك كله إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم. وما أجدر أن يكون في الناس أوائل يسنون للناس سنة حسنة فيتأسى بهم غيرهم فتسمو نفوسهم وترتقي هممهم.

وقال فضيلته ما أجدر أن يكون فيهم أوائل في الرسوخ في العلم لهم فيه نبوغ وإتقانٌ وفهم وإحسان وحرص على تبليغه ونشره بين الأنام، ويكون فيهم أوائل في طلب معالي الأمور وأشرافِها، ويكون فيهم أوائل في الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة والآداب الفاضلة ومحاسن الأعمال، ويكون فيهم أوائل في الإصلاح بين الناس ودعوتهم إلى المحبة والألفة واجتماع الكلمة، ويكون فيهم أوائل في الدعوة إلى الخير وصنائع المعروف وقضاء حوائج الناس وتفريج كرباتهم، ويكون فيهم أوائل في الكرم والبذل والجود والإنفاق والعطاء والسخاء، وأوائل في استثمار سبل الدعوة ونشر الدين الحنيف ومحاسن الإسلام في العالمين وأوائل في توجيه وتربية النشء وشغلهم بالنافع المفيد، وما أحوج الأمة كذلك إلى سابقات صالحات قانتات في الاعتزاز بالدين والمحافظة على أوامر رب العالمين.

وأشار الدكتور الغزاوي إلى أننا بحاجة ماسة إلى أن نحذو حذو كل صاحب قدوة في مجاله من أهل السبق والفضل والأولية، فنسلك سبيل العلماء الربانيين في علمهم والطائعين العابدين في إخباتهم لربهم، والتائبين المنيبين في توبتهم، والذاكرين الله كثيرا في ذكرهم، والصابرين في صبرهم، والشاكرين في شكرهم، والصادقين في صدقهم، والثابتين على دينهم ومبادئهم في ثباتهم، والجادين والمتقنين أعمالهم والمحافظين على أوقاتهم في جدهم واجتهادهم، والبارين آباءهم في برهم، والواصلين رحمهم في وصلهم، وهكذا في كل مجال من مجالات اتباع سبيل المؤمنين.

وفي المدينة المنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ حسين آل الشيخ عن الابتلاء ،موصيا فضيلتُهُ المسلمين بتقوى الله عز وجل.

وقال: "يذكرنا الله سبحانه سنته في الأمم فيقول عز شأنه : (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيةٍ مِنْ نَبِّيٍّ إِلَّا أخَذْنَا أَهْلَهَا بالْبأساءِ والضَّرَّاء لعلَّهُم يضَّرَّعون) ،والبأساء هو : شظف المعيشة وضيقها . والضراء هو : الضر وسواء الحال في أسباب الدنيا . ويبين الله حكمة وقوع ذلك وسببه وهو إلجاء العباد إلى التضرع إلى ربهم والاستكانة إلى خالقهم والإنابة إلى إلههم بالإقلاع عما يغضب الله عز وجل وبالتوبة النصوح إليه بلزوم طاعته والخضوع لإمره والسير على نهج شرعه.

فمن حكم الابتلاء بكل ما يصيب في الحياة من الشدائد والمشاق وما يصيب الإنسان بالضرر في بدنه من أمراض وأسقام ،من حكم ذلك أن يرجع الخلق لربهم ، وينقادوا إلى أمره سبحانه ويعودوا إلى رشدهم وينزجروا عن الضلال والعناد . لعل القلوب الجامدة أن تلين وتتعظ فتعود للصلاح والرشاد والهدى والسداد ،قال تعالى : (ولقدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بالْبأساءِ والضراءِ لعلهم يتضرَّعون).

وذكر أنه على العباد أن يحاسبوا أنفسهم وهم يرون الابتلاءات تترى، وأن يعودوا بصدق إلى دين الله وأن يجددوا توبة نصوحا، وأن يستغفروه حقا ، وأن يجددوا العهد بالسير على صراط الله المستقيم، فإن أعظم المصائب أن تمر الابتلاءات فلا تلين بها القلوب ولا تعود بها الجوارح إلى ربها لقوله تعالى: (فَلَوْلَا إذْ جاءَهُمْ بَأْسُنَا تضرَّعُوا ولكنْ قَسَتْ قلوبُهُمْ وزيَّنَ لهم الشيطانُ ما گانوا يعملون).

وأضاف أن من أعظم المصائب وأشد صور الشقاء أن تقع الابتلاءات والغافلون مستمرون في غفلتهم، والتائهون في سبلتهم ولهوهم ومعاصيهم ، والفاسدون غارقون في فسادهم وإجرامهم، قال النعمان بن بشير إن الهلكة كل الهلكة أن تعمل عمل السوء في زمان البلاء " رواه ابن أبي شيبة يقول سبحانه محذرا من شأن الكافرين المعاندين: (ولقدْ أخَذْنَاهُمْ بالعذابِ فَمَا استگانوا لربهم وما يَتَضَرَّعون) أي ابتليناهم بالمصائب والشدائد فما استكانوا أي خشعوا ولا انكسروا ظاهرا وباطنا بل استمروا في غيهم وضلالهم.

وبين إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ حسين آل الشيخ أن الضرورة إلى التوبة شديدة والحاجة إلى المحاسبة أكيدة. قال تعالى: (مَا يَفْعَلُ اللهُ بعذابِكم إنْ شَكَرْتم وآمنتُمْ وكان اللهُ شاكرًا عليمًا)،فلا تنقلب المصائب نعما، ولا البأساء والضراء رخاءً وفرجا إلا بتوبة العباد إلى ربهم والرجوع إلى خالقهم فبذلك يرحمهم جل وعلا وينعم عليهم ويرفع بلواهم وما حل بهم فالله يمتحن عباده بالشدائد والمصائب والسيئات ليرغبوا إلى طاعته ويؤبوا إلى جنابه.

وأشار إلى أنه من أراد الله بهم خیرا وتوفيقا اتخذوا من وقوع المثلات زاجرا وواعظا ومذكرا يقول عز شأنه (ولقد أخذْنَا آلَ فِرْعونَ بالسِّنينَ ونقصٍ مِنَ الثمراتِ لعلَّهُمْ يذَّكَّرون) أي يتعظون لأن الشدة ترقق القلوب وترغبها فيما عند الله عز وجل وفي الرجوع إليه سبحانه.

وختم إمام المسجد النبوي الشيخ حسين آل الشيخ مذكرا أنه لا تحصيل لمطلوب ترغبه النفوس ولا نجاة من مرهوب تكرهه القلوب إلا بتوبة صادقة إلى الله جل وعلا قال تعالى: (وتُوبوُا إلى اللهِ جميعًا أيُّهَا المؤمنونَ لعلكم تفلحونَ) ،ورحمة الله بخلقه التي بها تفرج الكروب وتزول الخطوب لا تتحقق إلا بطاعة الله وتقواه ، واتباع شرعه والسير على سنة رسول. قال تعالى: (وأقيموا الصلاةَ وآتوا الزكاةَ وَأَطِيعوا الرسولَ لعلكم تُرْحَمونَ).