توكلنا ولم نتوكل

روي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه عندما فتح بلاد فارس كان المسلمين يشعرون بالخوف؛ لأن الفرس يضعون السم في طعامهم، فأمر خالد بن الوليد بإحضار السم له فقال: "بسم الله" ثم شرب السم ولم يضرّه شيء.

وقد كثر استخدام مفردة التوكل وتوكلنا في السنوات الأخيرة، وتحديداً مع ظهور جائحة كورونا، فما هو تعريف التوكل وكيف نطبقه؟

التوكل لغةً هو الاعتماد والتفويض؛ فالتوكل على الله سبحانه هو الاعتماد عليه وتفويض الأمور إليه.

وذكر الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ أن التوكل على الله من أعظم مقامات الأنبياء بل هو مقام الأنبياء والمرسلين في تحقيق عبوديتهم العظيمة للرب، وأضاف أن معنى التوكل على الله هو أن يفعل العبد السبب الذي أمر به ثم يفوض أمره إلى الله، والتفويض على الله عمل القلب خاصة، وهو أن يعتمد بقلبه على الله في تحصيل مراده، ودفع الشر الذي يخشاه.

وقد لاحظتم جميعاً أنه خلال فترة جائحة كورونا ومع صدور توجيهات الجهات المسؤولة بضرورة أخذ اللقاحات المضادة للفيروس، إلا أن هناك من تردد في حجز الموعد، ثم ما لبث أن استجاب لنداء العقل وأخذ اللقاح.

وعندما تحاور أحد هؤلاء المترددين عن سبب ترددهم، تكون إجابتهم بأنهم سمعوا أو قرؤوا أخباراً لا حقيقةً لها حول جدوى اللقاحات، وأنهم متوكلين على الله وهذا أمر حسن، ولكن التوكل كما أشرنا في بداية المقال هو الاعتماد على الله وتفويض الأمور إليه مع الأخذ بالأسباب، فكان لا بد لمن يعتقد أن التوكل هو ما يعتقده فقط دون الأخذ بالأسباب أن يراجع نفسه وأن يصحح من معتقداته؛ فالنافع الضار هو الله ولن يصيب الإنسان إلا ما قد كتبه الله له.

والحديث هنا لا يقتصر على من يحجم أو يتردد في الحصول على اللقاحات، بل إنه يشمل المتناقضين الذين يقومون بأخذ اللقاحات ولكنهم يشككون في فاعليتها ويقللون من جدواها، فهذا أيضاً ينافي معنى التوكل على الله؛ لأن مفهوم التوكل يشمل الإيمان بأن جلب النفع ودفع الضر بيد الله، وأنه هو القادر على كل شيء.

فيا من حمّلتم (التطبيق) وأهملتهم (التطبيق) عليكم أن تأخذوا العبرة من هذه الجائحة، وألّا تتبعوا الأخبار السلبية التي بلا شك سيكون لها بالغ الأثر عندما يصدقها بعض الأشخاص أو يروجون لها.

وقد أكدت الكثير من الدراسات الطبية على أن بعض الأمراض التي تصيب البشر هي في أصلها عبارة عن أفكار سلبية ووساوس وقلة إيمان، لكنها تجد لها قبولاً في أجساد بعض البشر فتضعف مناعتهم وتنشأ تلك الأمراض من لا شيء.

وتزداد خطورة تلك الأمراض عندما تكون شخصية الانسان من النوع الذي يهوّل الأحداث ويكبرها؛ فيقع ضحية للأمراض وهو في سن مبكر، وهذا بلا شك يؤثر على مسيرته في الحياة، فنفقد نتيجةً لذلك أحد أفراد المجتمع الذين نعوّل عليهم في بناء المجتمع وتقدمه.