تلبية لدعوة خادم الحرمين.. جموع المصلين يؤدون صلاة الاستسقاء في أنحاء المملكة (صور)  

عبد الرحمن السديس

أدى المصلون في جميع مناطق المملكة صلاة الاستسقاء صباح اليوم الخميس اتباعًا لسنة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام عند الجدب وتأخر نزول المطر أملا في طلب المزيد من الجواد الكريم أن ينعم بفضله وإحسانه بالغيث على أرجاء البلاد.

ففي مكة المكرمة أدى المصلون صلاة الاستسقاء بالمسجد الحرام يتقدمهم صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن سلطان بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة مكة المكرمة، وأم المصلين إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس الذي أوصى في خطبته المسلمين بتقوى الله عز وجل فالتقوى خير سبيل لمن طهر روحه وزكاها وهي سبب الخيرات وتنزل البركات، ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾.
وقال فضيلته: إنه لا يخفى على شريف علمكم أن ما يُصيب العباد من نَوَائِب الجَدْب وكوارث المِحن والبلاء، أنه امتحان وابتلاء، قال تعالى:﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾، وقال جلَّ وعلا:﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾، وهل أوقع النّاس في البلاء وسَاقهم إلى الشدَّة والعَنَاء، إلاَّ التقصير في تطبيق شَرائع الإسلام، وهَدْي السُّنَّة والقرآن فالاستسقاء سنة نبينا المصطفى عليه أفضل صلاة وأزكى سلام فعن أم المؤمنين عائشة قالت:"شكى الناس إلى رسول الله قُحُوطَ المطر فأمر بمنبر فَوُضِعَ له في المُصَلَّى ووعد الناس يوما يخرجون فيه، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حَاجِبُ الشمس، فقعد على المنبر فَكَبَّر وحمد الله ثم قال:"إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إِبَّانِ زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم"، ثم قال:﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغنى ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين" وعن ابن عباس يصف حال النبي صلى الله عليه وسلم عند خروجه للاستسقاء فقال:خرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم متواضعًا مُتَبَذِّلًا مُتَخَشِّعًا مُتَرَسِّلًا مُتَضَرِّعًا".
وأوضح أن السلف الكرام تمسكوا بهذه السنة النبوية الشريفة، قال قتادة : ذُكِرَ لنا أن رجلا قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، قُحط المطر وقَنَط الناس؟ فقال عمرُ مُطرتم، ثم قرأ:﴿وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ﴾. قال الإمام البغوي : قوله:" وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ " أي: يبسط مَطَرَه، قال تعالى:﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾،
وقال فضيلته: وها هي بلاد الحرمين الشريفين - حرسها الله - تُحْيِي هذه السُّنَّة الشرعية وتأخذ بكل الأسباب؛ الشرعية، والكونية، والبشرية، فتقام بها صلاة الاستسقاء، وتتحيَّن مواسم الأمطار، وتستثمر التقنية الحديثة في الاستمطار، في ظل تحديات الأمن المائي، وتغير المناخ، واستصلاح البيئة، ومعالجة الانبعاثات الكربونية، وتوسيع الرقعة الخضراء ِوكما يمنع الله الغيث بذنوب العباد، فإنه يمنعه تذكيرا بالنِّعَمِ والآلاء، وحث العباد على الشكر في السراء، والصبر في الضراء واللأواء، فكم من بلاد وأقطار تعاني طيلة العام من قِلَّةِ الأمطار، وغَوْرِ الآبار، وجَدْبِ الدِّيَار"
وبين الشيخ السديس أن البشر ليسوا وحدهم الذين يستسقون، فكل الكائنات تستسقي رب الأرض والسماوات، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرج سليمان عليه السلام يستسقي, فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء تقول: اللهم إنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِك, ليس بِنَا غِنَى عن سُقْيَاك, فقال: ارجعوا لقد سُقيتم بدعوة غيركم" .
وأوصى إمام وخطيب المسجد الحرام المسلمون بأن يجْعَلُوا الدعاء ديدنهم ، ودأبهم ومأواهم والخروج من المظالم، وأداء الحقوق، والتحلي بالتسامح، والتراحم، والإحسان، والبر، والصدقة، والصلة، والتخلي عن الحسد، والبغضاء، والحقد، والشحناء، والكذب، والبهتان، والشائعات المغرضة، لا سيما ما يبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويثير البلبلة والتشويش، ويسهم سلبًا في التنافر والخلاف والانقسام، وأن يحرصوا على صفاء القلوب وسلامة الصدور.

وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قد دعا إلى صلاة الاستسقاء اليوم الخميس، تأسياً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.