تشكِّل حماية الأمن الفكري أهميَّة بالِّغة في كافة المجالات والأصعدة؛ لأن أثر تطبيقه يمتد على الفرد والمجتمع محليًّا ودوليًّا، وإن كان الالتزام بتعزيز الأمن الفكري مما قد حث عليه الشرع الحنيف، حيث اعتُبر الأمان للإنسان في نفسه وماله وعرضه من النعم التي إذا اجتمعت حصل صاحبها على خير عظيم، كما نص الحديث الشريف “من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافًى في جسده، عنده قُوتُ يومه، فكأنَّما حِيزت له الدُّنيا بحذافيرها”، ولعظيم نعمة الأمن فقد امتن المولى جلا وعلا به على قريش فقال سبحانه وتعالى: (الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف)، فالأمن ركيزة أساسية لنهضة الدول وبه يقاس تقدمها، واستدامتها، واستقرارها.
إن تعزيز الأمن الفكري بكافة وسائله ومجالاته وأنواعه يتحقق معه المكتسبات الشرعية والوطنية في المحافظة على الضروريات الخمسة، ولذا راعت الأنظمة السعودية أهمية الأمن بصفة عامة وخاصة، وعلى رأس الأنظمة، النظام الأساسي للحُكم الذي نصَّ في مادته التاسعة فيما يختص بجانب تعزيز مقومات المجتمع السعودي في تربية أفراد الأسرة على: “الولاء والطاعة لله، ولرسوله، ولأولي الأمر، واحترام النظام وتنفيذه، وحب الوطن، والاعتزاز به، وبتاريخه المجيد”، وفي المادة السادسة من النظام ذاته: “على السمع والطاعة، في العسر واليسر والمنشط والمكره”، وفي المادة الثانية عشرة: “تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي إلى الفرقة والفتنة والانقسام”، كما أن الدفاع عن الوطن واجب على كل الموطنين وهذا ما أشارت إليه المادة الرابعة والثلاثون، وجميع هذه المواد منصوصة على تحقيق مقومات الأمن والاعتزاز الوطني الذي يجب الالتزام به من الجميع، وبهي تعكس شخصية المواطن السعودي المعتدلة المقتدية بالكتاب والسنة.
ولأن المقالة هذه، قد تخصصت في جانب محدَّد فيما يجب الالتزام به من قبل الموظف العام من الناحية الفكرية، فإننا نلحظ أن هناك مواد وتعليمات نظامية صارمة أوجدت لحماية الأمن الفكري وضرورة تعزيزه على وجه الخصوص لوظائف محددةٍ لأهمية طبيعتها الوظيفية، وكذلك مواد أُلزم بتنفيذها في كافة الوظائف المدنية أياً كانت طبيعة عمل شاغرها أو مسماها، ومن ذلك ما ورد في مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم: (555) وتاريخ 25/ 12/ 1437هـ، وتعتبر هذه المدونة من الأُسس النظامية التي يقوم عليها سلوك الموظف العام، وتمثل الآداب والأخلاق الإسلامية المنبع الأساس للموظف العام، ولاهتمام المنظم السعودي من الناحية الوقائية فيما يتعلق بحماية الأمن الفكري للموظف ظاهرٌ وبيّن، لاعتبار أنه يُلقى على عاتقه مسؤولية عظيمة يجب عليه أدائها والالتزام بها، فلقد ورد في واجبات الموظف العام في المادة السابعة في الفقرة العاشرة نصًا: “الإخلاص والولاء للدولة”، فجميع الأنظمة تستقر على أن يكون الموظف مُخلصاً في أدائه للدولة، تام الولاء لها، يقيناً ظاهراً جلياً لا شك فيه، وأما المحظورات العامة على الموظف العام والتي يجب اجتنابها وفاعلها يخضع للعقوبة وهي كما وردت في المادة الثالثة عشرة الفقرة الرابعة ونصها: “نشر بينات أو خطابات تناهض سياسة الدولة أو تتعارض مع أنظمتها السياسية أو إصدارها أو توقيعها”، وفي ذات المادة في الفقرة الثالثة: “توجيه النقد أو اللُّوم إلى الحكومة بأي وسيلة من وسائل الإعلام المحليَّة أو الدولية”، وفي المادة الثانية عشرة في الفقرة الثامنة “إعاقة سير العمل أو الإضراب عن العمل، أو التحريض عليهما”، وفي ذات المادة الفقرة الحادية عشرة ونصها: “الاشتراك في الشكاوى الجماعية…”، وفي الفقرة التاسعة: “القيام بأي سلوك أو تصرف ينتهك قيم المجتمع أو تقاليده أو أعرافه”.
ولا شك أن جميع المواد النظامية الآنفة هي من السلوكيات المناهضة لحماية الأمن الفكري والقيام بها يعتبر جريمة قد تتجاوز المخالفة الإداريَّة، ويلحظ أن سمة هذه السلوكيات المنافية هي إحدى الوسائل الرائجة لدى دعاة الأحزاب والفرق المخالفة، التي تسعى إلى تفكك المجتمعات المسالمة الآمنة، وتُمكّن من تحقيق أطماعها الدينية والسياسية، وتعرِّض أمن المجتمع للإخلال.
إن حماية تطبيق الإجراءات النظامية ومنها مواد هذه المدونة، هي إحدى قواعد تحقيق الأمن واستقراره، وبه يتحقق سلامة المجتمع بكافة أفراده، وهذا ما أكدت عليه المدونة.
اللهم أدم علينا الأمن والإيمان، ووفق ولاة أمرنا إلى كُل خير..