تركي حمدان
هناك من يعتقد بأن الدول ذات النفوذ والمعادية علانيةً هي الأقرب للاستثمار في صناعة وتمويل اللوبيات وتجنيد العملاء وبأن الدول الأضعف والحلفاء الأقرب هم الأبعد عن ذلك؛ وهذا من السذاجة والجهل بمكان.
جميع الأنظمة الحاكمة تقوم بضخ المال وتبذل الجهد في سبيل التأثير على سياسة وأمن واقتصاد الدول التي هي بالنسبة لها دول مهمة.
والمجتمعات ليست سواء في قدرتها على مواجهة حرب “الدعاية المعادية”؛ والفيصل في قياس قدرة أي مجتمع على الصمود أمام الدعاية المعادية يرتكز على:
– مدى رسوخ هوية المجتمع الوطنية واستقلاليتها واعتزازه بها.
– عمق ولاء وثقة المجتمع بقيادته وفهمه لمعنى وأهمية الولاء.
– وعي المجتمع بحقيقة أن الانتماء “الفاعل” لا يكون إلا وطنياً.
هذه الركائز الثلاث هي أهم ما تسعى الأنظمة المعادية عبر الدعاية لهدمها أو إضعافها في المجتمع المستهدف؛ والهدف دائماً التحكم بالرأي العام، لجعله أداة ضغط على صناع القرار من خلال تجييشهِ رفضًا أو قبولًا لموقف سياسي معين تجاه قضية ما، أو التحكم به لأغراض المنفعة الاقتصادية “السلع/السياحة..” وصولًا إلى تهيئة المجتمع لتَقَبُل السطوة الخارجية سواءً أكانت مادية أو معنوية عبر ما يسمى ب”صناعة القبول”؛ وكذلك تستخدم تلك الأنظمة المعادية عملائها في “إدارة الانطباع” حين يتعلق الأمر بإعادة ترميم سمعتها في حال تضررها؛ ووسائلها في ذلك متعددة إلا أن أكثرها خطورة هم العملاء من “القوى الناعمة”، وبالتأكيد أن وسائل التواصل الاجتماعي هي الساحة الأبرز لمعارك “استعمار الوعي”؛ فالانتشار الواسع لتطبيقات التواصل وبروز سطوتها كمصدر للمعلومات “المضللة في غالبيتها” وكونها مساحة ممتدة وغير محصنة، ولحقيقةِ عدم امتلاك معظم دول العالم سلطةً عليها جعل منها مرتعاً خصباً “وآمناً إلى حدٍ ما” لأجهزة الاستخبارات وعملائها؛ أما الدول التي تملك سلطة ولو جزئية على تطبيقات التواصل الاجتماعي فإن الأدلة التي تدينها باستخدامها في حروبها تلك أدلة وافرة و”مقلقة”.
أما عن أساليب العملاء من “القوى الناعمة” في تأدية الدور المناط بهم، فهي كثيرة، وهنا بعضٌ منها:
الترويج لرموز الآخر “الوطنية أو الدينية أو الحزبية أو الإعلامية ..”وتمجيدها والاحتفاء بها والتغاضي عن منجزات الوطن؛ والعمل على بث الفرقة في بلدانهم واستعداء الدول الأخرى بلا مبرر، كذلك حشد العداء والاغتيال المعنوي للمؤثرين من أبناء شعوبهم القائمين بدورهم الطبيعي في الدفاع عن وطنهم والاعتزاز بمنجزاته.
وعوداً على بدء، أقول: إن ما نراه في العديد من دول العالم الإسلامي من انقساماتٍ حادة في الرأي العام، وظهور -أو علو صوت- الولاءات العابرة للحدود، مرده إلى تمكن الدعاية المعادية من العبث بقناعات تلك الشعوب حتى أحالت الانتماء من أساسٍ للوحدة والنماء إلى مجرد شعارٍ باهتٍ رخيص يهتف به القاتل والمقتول.
خلاصة القول:
الانتماء لا يكون إلا وطنياً، لا يتجزأ؛ ولا يضافُ إليه، وكل دولة هي عدوٌ محتمل.