يعتبر شهر رمضان المعظم شهر العبادات و التهجد و التراويح،حيث تسود الروح الإيمانية، و يتنافس المؤمنون على العبادات صوما و صلاة و قياما.
وتعد صلاة التراويح أهم عبادات شهر رمضان المكرم،و حول التراويح يقدم لنا،اليوم، الداعية الإسلامي عبد الرحمن بن عبيد السدر استراحة إيمانية في تلك السطور مبينا أحكامها.
و يقول السدر: “الحمد لله الذي منّ علينا ببلوغ شهر رمضان، ووفقنا فيه للصلاة والصيام وقراءة القرآن، وأسبغ علينا بكثير الفضل والامتنان، نحمده حمد معترف بفضله بلا نقصان، ونشهد أن لا إله إلا الله الواحد الملك الديان، ونصلي ونسلم على من بعثه بالحق والإحسان، بشيراً ونذيراً إلى الإنس والجان، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أفضل القرون والأزمان، ثم أما بعد إخوة الإيمان:
صلاة التراويح قُربة وعبادة عظيمة مشروعة، والنبي صلى الله عليه وسلم فعلها ليالي بالمسلمين، ثم خاف أن تُفرض عليهم فترك ذلك وأرشدهم إلى الصلاة في البيوت، ثم لما توفي صلى الله عليه وسلم وأفضت الخلافةُ إلى عمر بعد أبي بكر رضي الله عنهما، ورأى الناس في المسجد يُصلونها أوزاعًا، هذا يُصلي لنفسه، وهذا يُصلي لرجلين، وهذا لأكثر، قال: “لو جمعناهم على إمامٍ واحدٍ”، فجمعهم على أُبي بن كعب، وصاروا يُصلونها جميعًا، واحتج على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: (مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه(، واحتج أيضًا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليالي، وقال: “إن الوحي قد انقطع وزال الخوفُ من فرضيتها”، فصلَّاها المسلمون جماعةً في عهده صلى الله عليه وسلم ثم صلّوها في عهد عمر، واستمروا على ذلك.
والأحاديث تُرشد إلى ذلك، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَن قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلةٍ(، خرَّجه الإمام أحمد وأهل السنن بأسانيدَ صحيحةٍ، فدل ذلك على شرعية القيام جماعة في رمضان، وأنه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، وفي ذلك مصالح كثيرة: في اجتماع المسلمين على الخير، واستماعهم لكتاب الله، وما قد يقع من المواعظ والتذكير في هذه الليالي العظيمة.
ومن الأمور التي يخفى حكمها على الناس ظنُ بعضِهم أن التراويح لا يجوز نقصها عن عشرين ركعة إلى غير ذلك من الظنون، فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يدل على التوسعة في صلاة الليل، وعدم تحديد ركعات معينة، وأن السنة أن يُصلي المؤمن -وهكذا المؤمنة- مثنى مثنى، يُسلم من كل اثنتين، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الليل مثنى مثنى)، فإذا خشي أحدُكم الصبحَ صلى ركعةً واحدةً تُوتر له ما قد صلى.
فقوله صلى الله عليه وسلم: صلاة الليل مثنى مثنى خبر معناه الأمر، يعني: (صلُّوا في الليل مثنى مثنى)، ومعنى ذلك أن: يُسلِّم من كل اثنتين، ثم يختم بواحدةٍ، وهي الوتر، وهكذا كان يفعل عليه الصلاة والسلام فإنه كان يصلي من الليل مثنى مثنى، ثم يوتر بواحدةٍ عليه الصلاة والسلام، كما روت ذلك عائشة رضي الله عنها وابن عباس.
قالت عائشة رضي الله عنها: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل عشر ركعات، يُسلِّم من كل اثنتين، ثم يوتر بواحدةٍ”، وقالت رضي الله عنها: “ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يُصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلي ثلاثًا”، متفق عليه. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، المجلد الحادي عشر، صفحة رقم (318-323).
والأفضل لمن صلى مع الإمام في قيام رمضان أن لا ينصرف إلا مع الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة).
وفي ظل جائحة كورونا نسأل الله أن يكشف هذه الجائحة عن بلادنا، وبلاد المسلمين، والعالم أجمع، وما تقوم به بلادنا من إجراءات احترازية ومتابعة وحرص دائم من ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، ومتابعة دورية من الجهات المشكلة والمعنيّة بتقييم الوضع وما يصدر عنها من توجيهات، يجب أن يأخذها الأئمة ومؤذني المساجد والجوامع بعين الاعتبار للإسهام في الحد من انتشار هذه الجائحة.
وما تقدمه وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بقيادة معالي الوزير الدكتور عبداللطيف آل الشيخ حفظه الله من توجيهات وتعليمات تهم قاصدي بيوت الله فيجب التعاون من الجميع، حفاظاً على النفس البشرية، وإسهاماً في حفظ السلامة المجتمعية.
نسأل أن يكشف البلاء، وأن يجزي ولاة أمرنا خير الجزاء وأوفاه، وأن يعيننا على قيام ليال هذا الشهر المبارك إنه جواد رحيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.