أدب الأنفاق

د. سالم اليامي

على مدى سبعة أيام حتى كتابة هذه السطور، تابع العالم تبادل وجبات الأسرى، والمخطوفين بين الجانبين، بين الفصائل الفلسطينية المسلحة، وبين إسرائيل.

من خرجوا من السجون الإسرائيلية وهم بطبيعة الحال من أبناء، وبنات الشعب الفلسطيني كانت لحظات خروجهم وتسلمهم من الجهات المختصة، ومن الوسطاء طبيعية إلى حد كبير، ولم تزد عن الاحضان الحارة، والقبل، واظهار علامات السعادة، والفرح، وربما الانتصار ببعض الإشارات التي اعتاد الناس القيا بها في هذه المناسبات، التي تتكرر بشكل قد لا يكون منقطع في حياة الناس في فلسطين.

اللافت في الوجبات، أو في الدفعات التي تم تسليمهم للجانب الإسرائيلي أن لحظات تسليمهم عبر الوسطاء من الدول، والمنظمات الإنسانية، لاحظ غير مراقب أن هناك سيناريو طبق مع أغلب الحالات وهو أن يكونوا محاطين بعدد من الملثمين ممن يرتدون الزي العسكري، أو الحربي، وبآخرين مدنيين، رجال ونساء، وتمت ملاحظة حركة لافتة هي مساعدة المختطفين حسب التسمية الإسرائيلية عندما يهمون بركوب العربات التي ستقلهم للجانب الآخر، ووصل الحال في الأيام الأخيرة إلى رصد أحاديث مطولة قبل لحظات الوداع بين السجان والمسجون تقترب في شكلها العام من لحظات الوداع، التي تكون حزينة في الغالب! في بعض المشاهد كانت الكميرات تركز على العائدين إلى حياتهم الطبيعية بعد أيام في الأنفاق الأمنية الخاصة بالفصائل.

السؤال هنا هو ما حقيقة هذه المشاعر هل نبتت علاقة ود وتقدير وتعارف بين الطرفين في الأنفاق؟ تقول لنا جميعا أن البشر عندما يكونا أقرب إلى بعضهم وربما في مكان محدود المساحة مثل الأنفاق التي يقال أنها تمتد لعشرات الكيلومترات تحت الأرض تتغير معادلات العداء والقتل والموت المتبادل بينهم! وتتحول إلى ود، وتفاهم، ومشاعر إنسانية فيها الحب، والعطف والملاطفة.

ربما يتذكر الناس أول رهينتين لدى الفصائل تم الافراج عنهم قبل الهدنة باسابيع وهما سيدتان مسنتان، اتيحت لهم الفرصة للحديث إلى بعض وسائل الإعلام مما أوقع إسرائيل في حرج، وأصبح من غير المتاح لأي رهينة، أو مختطف أن يتحدث لوسائل الإعلام عن ظروف الاختطاف، وطبيعة المواقع التي تعرض للاحتجاز فيها.

الدفعات الأخيرة من المفرج عنهم قد يكون من بينهم من يملك حساً أدبياً، وقد تتيح للبعض الظروف خاصة ممن يحملون جنسية ثانية المغادرة إلى الخارج، وعندها سيكون لديهم كل الحرية في الحديث عن الثواني، والدقائق والساعات، والأيام التي قضوها في الأنفاق.

المشوق في هذا السياق هو توقعات ما سيقوله الناجين من حرب غزة، ظروف احتجازهم، هل سيذكرونا بالصور النمطية عن الإنسان الشرق أوسطي، الفلسطيني، العربي؟ كيف سيصفون لحظات التعامل المباشر مع المسلحين، وهل سيتذكرون من مِن الأسماء القيادية والمعروفة إعلامياَ قابلتهم، وتحدثت معهم، وهل سيثبتون، أو ينفون صحة، وصدق اللحظات اللطيفة التي سجلتها عدسات التصوير أثناء لحظات الإفراج؟