د. نافل العتيبي
دكتوراه في الهندسة الكهربائية من جامعة مانشستر. مهتم بالكتابة والتأليف والترجمة في مجالات الاستراتيجيا والقيادة والأدب
المتأمل في رواد الاسواق يجد أن غالب مرتاديها من الطبقة المتوسطة فمادون، يكدحون طوال حياتهم في سبيل الحصول على المال، فاذا توفر لهم القليل منه، هرعوا الى السوق ليدفعوا جل ما كسبوا – إن لم يكن كله – في كماليات رديئة الجودة، فتمضي أعمارهم، وهم كالمنبتّ الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وتورّث هذه الحال من الآباء الى أبنائهم، وكأنهم قد أخذوا على أنفسهم عهداً، بتبديد مايجمعون أولاً بأول.
حينما تصغي الى أحاديثهم تجد معظمها من قبيل، ذهبنا الى السوق الفلاني وشرينا كيت وكيت، ويرد الآخرون بالمثل، بل يزيدون على ماقيل، مستخدمين ما حباهم الله من القدرة على الكذب وسعة الخيال، ومن لايشارك في هذا التنافس الشرائي، فلاشك لدى المتحدثين بأنه أحد إثنين، يابخيل، يافقير، لامفر له عن أحد هذين الوصفين، والفقر عيبٌ في نظر هذا المجتمع العجيب! ولذا نجد الكثير يسايرون مجتمعاتهم، ويحاولون – قدر الامكان – أن يوفقوا بين قناعاتهم الراسخة برفض هذا السلوك الاستهلاكي السطحي، وبين الهروب من وصفهم بالبخل، فيغشون الاسواق على فترات مختلفة، محاولين إيجاد سبيل وسط، يدفع عنهم سئ القول، ويبقي على جزء من مدخراتهم المتواضعة.
لو حاولنا البحث عن سبب تهالك القريبين من خط الفقر على الشراء والتسوق من كل مكان وعلى فترات زمنية قصيرة لوجدنا السبب الرئيسي يدور حول رغبتهم في الظهور بمظهر الاغنياء، ويظنون أن السبيل الوحيد لجعل الآخرين يصنفونهم في خانة الاغنياء هو كثرة تسوقهم وشراؤهم لكل جديد بغض النظر عن جودته أو حاجتهم اليه، وحين تلتقيهم يبادرون – دون أن تسألهم – الى الحديث عن مقتنياتهم ويشرحون لمن تصله أصواتهم من أين حصلوا عليها؟ وكم كانت باهضة الثمن، ومن بؤس هؤلاء القوم أنهم يحاولون الفرار من وصفهم بالفقر ليقعوا في الفقر، ذلك أن الهوس بالاستهلاك هو العادة القبيحة التي تتسبب في نمو الفقر في بيئة الرخاء.
التباهي بالاستهلاك حد الاسراف والتبذير هو مقياس الغنى لدى طبقات المجتمع التي تحوم حول خط الفقر، وهذه القناعة هي سبب شقاء تلك الفئة، كما لايمكن اغفال دور الاعلان والدعاية للمنتجات الاستهلاكية في تثبيت القناعة بان زيادة الاستهلاك ترتبط بالاغنياء، وهي دعاية مضللة للغاية، ذلك أن الاثرياء الحقيقيون أقل الناس تبديداً لثرواتهم فيما لاينفع، ولا يبدو من ثرواتهم الطائلة الا ما ظهر منها بدون قصد، وهم يتسوقون بتعقل ويبحثون – في الغالب- عن الجودة، لأنهم يذهبون للأسواق على فترات متباعدة، وبعضهم لايغشى الاسواق، بل يبعث من يحضر له مايريد، ولن يضرهم وصف الكادحين لهم بالبخل أو الفقر.