الدول المانحة تحذر لبنان.. لا حكومة ولا إصلاح؟ إذاً مع السلامة وشكراً

وجهت القوى الغربية التي تسعى لإنقاذ اقتصاد لبنان المشرف على الانهيار لقيادات البلاد، إنذاراً مفاده أن لا خطوات لمساعدة البلاد للنهوض من عثرتها ما لم يشكلوا حكومة تتمتع بالمصداقية لإصلاح الوضع في الدولة المفلسة على وجه السرعة.
وبدأ صبر فرنسا والولايات المتحدة وغيرهما من الدول المانحة ينفد، وهي التي ساعدت لبنان أكثر من مرة منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990، على الساسة الذين كان كثير منهم وجوهاً مألوفة خلال انزلاق البلاد إلى أزمتها الاقتصادية.
وفي العام الماضي تفجرت احتجاجات ضخمة على النخبة الحاكمة، وحملها الناس مسؤولية رعاية مصالحها المكتسبة، في الوقت الذي كان فيه الدين العام يتزايد، بحسب تقرير لرويترز.
وأدت جائحة فيروس كورونا إلى زيادة الضغوط على موارد البلاد، ودمر انفجار هائل في مرفأ بيروت في أغسطس (آب) الماضي، مساحات كبيرة من المدينة.
ومع نفاد الدولارات ظهر نقص في السلع الأساسية ومن بينها الأدوية، وتزايد عدد الذين يسقطون بين براثن الفقر في لبنان.
وسارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بزيارة المدينة عقب الانفجار وحاول إقناع الساسة بتطبيق إصلاحات جزئية على الأقل للتصدي للوضع الطارئ.
غير أن فئات متنافسة لا تزال تتصارع على النفوذ، ولم يشكل لبنان حكومة منذ الحكومة التي كان انفجار أغسطس (آب) وتداعياته سبباً في انهيارها، وكما في الأزمات السابقة اتهم كل طرف الطرف الآخر بالمسؤولية عن الوضع.
وقال مصدران شاركا في محادثات في بيروت الأسبوع الماضي، إن باتريك داريل مستشار ماكرون لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقي، أوضح في المحادثات أنه رغم حفاظ باريس على تعهداتها "فنحن لن ننقذهم ما لم تكن هناك إصلاحات".
وقال دبلوماسي غربي إن فرنسا لا تزال تحاول استضافة مؤتمر لبحث إعادة البناء في بيروت بنهاية نوفمبر(تشرين الثاني) لكن الشكوك قائمة.
وأضاف الدبلوماسي "لا توجد أي تطورات، الساسة اللبنانيون عادوا إلى أسلوبهم في العمل، والمقلق هو التجاهل التام للشعب".
لا مساعدات مجانية
وقالت السفيرة الأمريكية لدى لبنان دوروثي شيا، في مؤتمر عبر الهاتف لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن يوم الجمعة، إن الولايات المتحدة "تدرك أن لبنان مهم" وأن "تحاشي فشل الدولة أولوية قصوى".
لكنها أضافت "لا يمكن أن نرغب في ذلك فعلا أكثر من رغبتهم فيه"، مؤكدة أنه لا خطط إنقاذ دون إصلاحات.
وتابعت "اكتسبنا حنكة، وسيكون هناك نهج تدريجي خطوة بخطوة، ولا شيء مجانياً".
ويكافح سعد الحريري رئيس الوزراء المكلف بموجب اتفاق اقتسام السلطة المبني على أسس طائفية في البلاد، لتشكيل الحكومة.
وتقول بعض المصادر إن الجهود تعقدت بعد العقوبات الأمريكية الأخيرة على جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون، والذي يرأس حزب الحركة الوطنية اللبنانية أكبر الأحزاب المسيحية في البلاد.
وفُرضت العقوبات على باسيل بناء على اتهامات بالفساد ولصلاته بجماعة حزب الله المدعومة من إيران، وهي أقوى طرف في لبنان وتعد قوة ضاربة لطهران في المنطقة وتعتبرها واشنطن جماعة إرهابية.
وتقول مصادر رسمية إن النقطة الرئيسية العالقة، هي إصرار عون وباسيل على تعيين وزراء في الحكومة المكونة من 18 وزيراً.
ويريد الحريري أن يكون كل الوزراء من المتخصصين ولا صلة لهم بالأحزاب السياسية.
وقال مصدر على صلة وثيقة بالمحادثات، إن بعض المعنيين ذكروا أن باسيل هو العقبة الرئيسية أمام تشكيل الحكومة، وينفي باسيل الاتهام قائلاً، إن من حق حزبه تسمية وزراء، مثل الآخرين.
وقالت عدة مصادر، إن الجمود وضع انتحاري في البلاد التي تستنفد ما لديها من احتياطيات أجنبية بسرعة، والتي تقدر بـ 17.9 مليار دولار فقط.
وبسبب العقوبات، التي سلمت السفيرة شيا بأنها جزء من حملة "الضغوط القصوى" التي تفرضها إدارة دونالد ترامب على إيران، تتجه طهران وحلفائها للانتظار حتى يترك ترامب منصبه.
غير أن بعض المسؤولين في لبنان حذروا من لعبة الانتظار.
وقال مصدر سياسي رفيع مطلع على المحادثات: "الرسالة الواردة من الفرنسيين الآن واضحة، لا حكومة، ولا إصلاح، إذاً مع السلامة وشكرا".
وتابع "في نهاية اليوم، لا يعرفون كيف يتعاملون مع الظروف الاستثنائية والتحديات، لانزال نتعامل مع تشكيل الحكومة وكأننا نعيش أياماً عادية".
وقالت السفيرة شيا، إن على المانحين التشبث بموقفهم، وإلا فإن النخبة السياسة لن تأخذهم على محمل الجد.
وأضافت "إذا لم يشعروا بأهمية الوقت لتشكيل حكومة، فكيف نواصل الضغط عليهم؟".