الدول الأقل خصوبة في العالم.. هل ينقرض البشر يوماً بأيديهم؟

كشف المعهد الوطني للإحصاء عن تراجع عدد المواليد في إيطاليا للعام الخامس عشر على التوالي، ليصل إلى مستويات تاريخية متدنية.

وتُعد هذه الظاهرة الطارئة، التي تتسم بانخفاض مستمر في معدل المواليد، تحديًا كبيرًا تواجهه إيطاليا، ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من معالجته بالرغم من الوعود المتكررة بإعطائه الأولوية.

وفي عام 2023، تم تسجيل 379 ألف مولود جديد، بانخفاض 3.6% عن العام السابق و34.2% عن عام 2008، وهو آخر عام شهدت فيه البلاد زيادة في عدد المواليد، علماً بأن الزيادة في ذلك العام كانت الأقل منذ توحيد إيطاليا عام 1861.

وانخفض معدل الخصوبة إلى 1.20 طفل لكل امرأة من 1.24 في عام 2022، وهو أقل بكثير من معدل 2.1 المطلوب للحفاظ على استقرار عدد السكان.

ولا تواجه إيطاليا وحدها هذه الأزمة، إذ سبق وأن أثارت دراسة نشرتها مجلة “ذا لانسيت” العلمية إنذاراً لدى دوائر الإحصاءات السكانية حول العالم.

وأشارت الدراسة إلى انخفاض كبير في معدلات الخصوبة في معظم دول العالم تقريباً بحلول نهاية القرن الجاري.

توقعات قاتمة لمستقبل الخصوبة العالمية

وبحلول عام 2100، تشير التوقعات إلى انخفاض معدلات الخصوبة في 97% من الدول (198 من 204) دون المستوى المطلوب للحفاظ على تعداد سكاني إيجابي.

وستصبح منطقة جنوب الصحراء الأفريقية مصدرًا رئيسيًا للسكان، حيث يتوقع أن يولد هناك طفل واحد من كل طفلين على الكوكب.

في المقابل، ستواجه أوروبا الغربية انخفاضًا في معدل الخصوبة الإجمالي من 1.44 في عام 2050 إلى 1.37 في عام 2100.

وتستند هذه التوقعات إلى تحليل بيانات جمعت من عام 1950 حتى عام 2021 كجزء من دراسة العبء العالمي للأمراض والإصابات وعوامل الخطر.

تُعد هذه التوقعات بمثابة “التحديات الخطيرة” للنمو الاقتصادي العالمي، خاصة مع تقلص القوى العاملة وازدياد شيخوخة السكان.

وتُثير هذه التوقعات تساؤلات هامة حول مستقبل التنمية والسياسات الاجتماعية والاقتصادية في ظل تغيرات ديموغرافية هائلة.

وانخفض معدل الخصوبة الإجمالي العالمي بأكثر من النصف على مدى الأعوام الـ70 الماضية من نحو 5 أطفال لكل امرأة في عام 1950 إلى 2.2 طفل في عام 2021.

وتسلط الدراسة الضوء على اتجاه مثير للقلق بشكل خاص بالنسبة لدول مثل كوريا الجنوبية وصربيا، حيث يقل معدل الخصوبة عن 1.1 طفل لكل امرأة، مما يعرضها لتحديات ترتبط بانكماش القوى العاملة.

وتتوقع الدراسة أن تحتل النيجر المركز الأول في عام 2050 من حيث أعلى معدلات خصوبة، بمتوسط 5 أطفال لكل امرأة، ولكن هذا قد ينخفض إلى 2.7 طفل إذا تحققت أهداف التعليم الشامل.

أزمة عالمية: انخفاض الخصوبة يهدد مستقبل الدول

وتُحذر مجلة الإيكونوميست من الظاهرة نفسها والتي باتت تُهدد دول العالم كافة، بعدما كانت تُعاني منها الدول الغنية فقط.

تشهد الاقتصادات الـ15 الأكبر في العالم أدنى مستويات الخصوبة، بينما انخفضت نسبة الخصوبة في 98 دولة حول العالم عام 2010 إلى طفلين تقريباً لكل امرأة، ووصلت إلى أقل من طفلين لكل امرأة في 124 دولة عام 2021.

لم تقتصر هذه الظاهرة على الدول الغنية، بل بدأت الدول متوسطة الدخل تعاني منها أيضاً، مثل البرازيل (1.6) وتايلاند (1.3).

حتى الهند، ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان، تواجه انخفاضاً في الخصوبة إلى ما دون طفلين، مع توقعات بانخفاض مستمر في المستقبل.

يُتوقع أن ينقلب الهرم السكاني في الدول الغنية ومتوسطة الدخل، حيث يصبح كبار السن هم الفئة الأكبر، بينما يقل عدد الشباب بشكل كبير.

تُظهر الصين هذه الظاهرة بوضوح، حيث انخفض عدد الشباب من 232 مليون عام 2012 إلى 181 مليون عام 2021.

لم تعد هذه المسألة مرتبطة بالمستوى التعليمي المرتفع كما في السابق، بل أصبحت مرتبطة برغبة المزيد من النساء في الحصول على التعليم والعمل، إضافة إلى سهولة الحصول على موانع الحمل.

يُطالب باحثون بإعادة التفكير في السياسات العالمية، خاصة وأن توزيع الهرم السكاني يُعد عاملاً حاسماً لتحقيق الازدهار.

وظهرت دولة عربية واحدة في القائمة نفسها وهي لبنان، مدفوعة بعمليات الهجرة بالأساس، مثل العديد من دول أوروبا، التي تُعاني من هجرات كثيفة إلى جانب انخفاض معدل المواليد.

انقراض كوريا!

ويتخذ حجم الأزمة يتخذ طابعاً خطيراً في كوريا الجنوبية على وجه خاص، وفي ديسمبر الماضي، حذّر وزير العدل الكوري الجنوبي هان دونغ- هون، من أن بلاده مهددة بـ”الانقراض”، وبحاجة إلى قبول الهجرة لدرء “الكارثة السكانية”.

وقال هون: “عندما يتعلق الأمر بسياسات الهجرة، فقد تجاوزنا مرحلة التداول بشأن تنفيذها أم لا، لأنه إذا لم نفعل ذلك، فلن نتمكن من الهروب من مصير الانقراض بسبب الكارثة السكانية”.

وقد تجاوزت الوفيات عدد المواليد لأكثر من ثلاث سنوات في كوريا الجنوبية، وسط انخفاض مطرد في معدل الخصوبة الإجمالي في البلاد، وهو متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة في حياتها.

وتشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2050، ستكون 155 دولة من أصل 204 دولة تحت مستوى الإحلال للخصوبة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 198 دولة بحلول عام 2100.

وأورد التقرير أنه “بحلول عام 2100، ستكون معدلات الخصوبة المقدرة أقل من مستوى الإحلال في أكثر من 95% من دول وأقاليم العالم، لكن التفاوتات في المعدلات ستظل قائمة”.

ووحدها ساموا والصومال وتونغا والنيجر وتشاد وطاجيكستان ستسجل معدلات خصوبة متوقعة تتجاوز مستوى الإحلال البالغ 2.1 مولود لكل أنثى في عام 2100.