الرأي العام وخطر وسائل “التخابر” الاجتماعي

تركي حمدان

‏كتب جورج أورويل في مقالة له: "نميل إلى نسيان أنه في عام ١٩٤٠ قرر مراقبون أن حوالي أربعين في المائة من السكان الفرنسيين كانوا إما مؤيدين بشدة للألمان أو غير مبالين تمامًا ".

‏إنها الدعاية النازية التي لم تجابه بحزم من قبل السلطات الفرنسية عبر تبيان الجرائم المرتكبة في ألمانيا ثم البلدان المحتلة قبلًا وأيضاً تغاضي الدولة الفرنسية عن الأصوات المشيدة والمؤيدة للنموذج الألماني، كل ذلك أدى إلى نتيجة مؤلمة ومهينة؛ ذكر محمد فؤاد شكري في كتابه "ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ المعاصر" :

‏(أصاب النازيون نجاحًا كبيرًا في بقية أوروبا، وبخاصة في فرنسا، فظهر في هذه البلدان التي خضعت لطُغيانهم سلمًا، أو من غير مقاومة تذكر .. مَن قبلوا التعاون مع النازيين، وأيدوا السيطرة الأجنبية في بلادهم).

‏إن العبث والتلاعب بقناعات المجتمعات ليس بالأمر المستحيل ولا نادر الحدوث، وإن أردنا وضع قائمة بأبرز الدول المُستهدفَة بحملات الدعاية المعادية لكانت السعودية في مقدمة هذه الدول.

‏وهذا الأمر ليس وليد اليوم، إلّا أن هذه الحملات ازدادت شراسةً خلال العقود الثلاثة الأخيرة وبلغت ذروتها هذه الأيام.

‏وغنيٌ عن القول أن الشعب السعودي أثبت ويثبت دوماً بأنه أكثر الشعوب على الإطلاق حصانةً ضد محاولات اختراقه أو العبث بأمنه ومكتسباته؛ كذلك فإن الفترة الأخيرة شهدت قفزة هائلة في مستوى ونوعية ما تقدمه وسائل الإعلام السعودية، بل ويمكنني القول بثقة تامة أن الخطاب الإعلامي السعودي الجديد -بعمق وعيه وحرفيته ورزانته التي لم يتخل عنها حتى في حدته في مواضعٍ تستلزم الحدة- جاء صادماً ومؤلماً لدولٍ ومنظماتٍ كانت تريد منه أن يبقى في حدوده الأولى: هيناً ليناً …

‏هذا صحيح ومطمئن، والعمل المستمر ومواكبة تطور السبل والأدوات التي من شأنها حماية الإدراك المجتمعي من كل دعاية خارجية -أياً كان مصدرها أو ظاهرها أو مستوى فاعليتها- واجبٌ وطني يتعلق بأمن الدول، وأي تهاون فيه أمر في غاية الخطورة وغير مبرر إطلاقًا.

‏ودولتنا ولله الحمد واعية تماماً لهذا الخطر وأعدت له وفعَّلت كل ما من شأنه التصدي له، ووأده في مهده.

‏أما هذه المقالة فقد أثارها ما نراه هذه الأيام من أثرٍ للدعاية المعادية على بعض شعوب الدول الإسلامية من انقساماتٍ حادة في الرأي العام، وتصاعدٍ للغةٍ مدججة بمصطلحات التكفير والتخوين، وانسياقٍ خلف الخطابات الغوغائية، وظهور -أو علو صوت- الولاءات العابرة للحدود.