أثار اكتشاف مقابر جماعية في مستشفيين في غزة دعوات من مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان وآخرين لإجراء تحقيق دولي، في ما قالت السلطات الفلسطينية إن هذه المقابر تحوي مئات الجثث.
ولا تعريف للمقبرة الجماعية في القانون الدولي، لكنها موقع دفن يحتوي على جثث عديدة، وقد يكون وجودها مهما في الكشف عن جرائم حرب محتملة.
قالت السلطات الفلسطينية إن موقع دفن اكتشف في مستشفى ناصر، المنشأة الطبية الرئيسية في وسط غزة، عثر فيه على نحو 400 جثة. واكتشف الموقع بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلية من مدينة خان يونس.
وشاهد مراسلو وكالات عالمية يوم الإثنين عمال طوارئ وهم يستخرجون جثثا من تحت أنقاض مستشفى ناصر.
وعثرت السلطات الفلسطينية أيضا على موقع دفن آخر في مستشفى الشفاء بشمال غزة استهدفته عملية للقوات الخاصة الإسرائيلية. وتحققت وكالة “رويترز” من لقطات لحفر مقابر بالقرب من المستشفى منذ نوفمبر.
وقالت رافينا شمداساني، المتحدثة باسم فولكر تورك مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان يوم الثلاثاء إنه يتعين إجراء تحقيق للتثبت من عدد الجثث، لكن “من الواضح أن جثثا كثيرة اكتشفت”.
وأضافت شمداساني “كانت أيدي بعضهم مقيدة فيما يشير بالطبع إلى انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ويتعين إخضاع هذا لمزيد من التحقيقات”.
تجري المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تحقيقا بالفعل في الفظائع التي ارتكبها مسلحو حركة (حماس) في السابع من أكتوبر ورد فعل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ويتمتع مكتب الادعاء في المحكمة بالولاية القضائية في الأراضي الفلسطينية، لكنه لم يصدر أي تصريحات عن اكتشاف لمقابر جماعية.
تشمل الأمثلة في الآونة الأخيرة الصراعات في السودان وأوكرانيا.
وتقول كييف إن أكثر من 1400 شخص قتلوا في بلدة بوتشا أثناء احتلال القوات الروسية لها بعد غزوها الشامل لأوكرانيا في 24 فبراير 2022، فيما اكتُشف أكثر من 175 من الضحايا في مقابر جماعية.
بموجب اتفاقات جنيف لعام 1949 التي وقعت عليها دولة الاحتلال إسرائيل، يتعين على أطراف نزاع ما اتخاذ كل التدابير الممكنة لمنع أي عبث بجثث الموتى.
ويدعو القانون الدولي الإنساني العرفي إلى احترام الموتى، بما في ذلك واجب منع العبث بالقبور وضمان التعرف على الرفات البشرية ودفنها بشكل لائق.
ويحظر القانون الدولي الإنساني أيضا التشويه والتدنيس وغير ذلك من أشكال عدم الاحترام للموتى، ويجب على الأطراف اتخاذ تدابير لحماية مواقع الدفن ومن بينها تلك التي تحتوي على رفات أعداد كبيرة من الموتى.
وفي عام 2002، في قضية تتعلق بمقتل فلسطينيين في مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بأن وزارة الدفاع الإسرائيلية مسؤولة، بموجب القانون الدولي، عن “تحديد موقع وهوية ونقل ودفن جثث” القتلى الفلسطينيين. وقال القضاة إنه يجب ألا تدفن الجثث في مقابر جماعية بل تُسلم إلى السلطات الفلسطينية.
ويعرّف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تدنيس جثث الموتى أو التمثيل بها بأنه جريمة حرب، وهو شيء محظور باعتباره إهانة للكرامة الشخصية.
لعبت الأدلة المستقاة من استخراج الجثث من المقابر الجماعية دورا حيويا في محكمة جنائية دولية للأمم المتحدة في يوغوسلافيا السابقة وأقرت المحكمة أن مذبحة سربرينيتشا عام 1995 التي قتلت فيها قوات صرب البوسنة نحو 8000 رجل وولد من المسلمين كانت إبادة جماعية.
وفي محاكمة جنرال قوات صرب البوسنة راديسلاف كرستيتش، وهو أول شخص تدينه المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة بالإبادة الجماعية عام 2001، وجد القضاة أن الأدلة المستمدة من عمليات استخراج الجثث التي تظهر أن مئات الضحايا قد دفنوا معصوبي الأعين وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم على الأرجح وهو ما كان كافيا لاستنتاج أنهم لم يلاقوا حتفهم في قتال.
وقالت اللجنة الدولية لشؤون المفقودين في بيان عن غزة أمس الأربعاء إن “المقابر الجماعية تحتوي على أدلة حيوية لإثبات حقيقة ما وقع من أحداث.. يتعين اتخاذ إجراءات على الفور لحماية وتوثيق المواقع التي وردت تقارير عن وجود مقابر جماعية فيها بغزة”.
إذا أدت إعادة الدفن أو فتح المقابر الجماعية إلى تدنيس الرفات البشرية، فمن الممكن أن توجه المحكمة الجنائية الدولية اتهامات. وبوسع المحكمة أيضا أن تستخدم تقارير عن محاولة التستر على جرائم بدفن جثث في مقابر جماعية كدليل يدعم أن الجناة كانوا يعلمون أن هذا القتل غير قانوني.
ويستطيع القضاة استخدام الحالات المؤكدة لأشخاص قتلوا وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم للتوصل إلى أن الموتى لم يكونوا من النشطين في القتال. وبموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يعتبر قتل أو جرح مقاتل أثناء الاحتجاز جريمة حرب.