سفراء أردوغان متورطون في تصيد المعارضين

كشفت وثائق سرية، حصل عليها موقع "نورديك مونيتور" السويدي المتخصص في الشؤون المخابراتية، عن تجسس الدبلوماسيين الأتراك، في السفارة والقنصليات في عدة دول، على منتقدي الحكومة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان.
وتؤكد المعلومات التي نشرها موقع "نورديك مونيتور" أن الدبلوماسيين الأتراك جواسيس يتصيدون معارضي النظام التركي والموالين لجماعة فتح الله غولن، التي تتهمها أنقرة بأنها العقل المدبر لعملية الانقلاب الفاشل في صيف 2016.
وأثارت هذه الخطوة، التي لم يسبق لها مثيل من حيث الحجم والكثافة، ضجة حول العالم وخاصة في أوروبا. وبدأت بعض حكومات الدول تحقق مع الدبلوماسيين الأتراك.
ففي سويسرا مثلاً، فتح المدعون السويسريون تحقيقاً جنائياً وأصدروا مذكرتي توقيف بحق اثنين من مسؤولي السفارة التركية لمحاولتهما خطف رجل أعمال سويسري تركي كان ينتقد نظام أردوغان.
وتكشف الأوراق والوثائق التي نشرها الموقع السويدي، وشبكة الشمال الأوروبية، أن عمليات التجسس على المعارضين كانت تتم من قبل الانقلاب الفاشل، لكنها سجلت ارتفاعاً في سياق عملية التطهير التي يقوم بها النظام التركي بعد يوليو 2016.
ويعود تاريخ إحدى الوثائق، إلى أبريل (نيسان) 2019، وهي موقعة من نائب رئيس قسم مكافحة الإرهاب بالشرطة الوطنية التركية أردوغان كارتال، وتكشف الوثيقة عن نشاط تجسسي في الأراضي الجورجية يستهدف كل تركي ينتقد النظام في أنقرة.
وفي الولايات المتحدة، تتولى السفارة التركية في واشنطن الإشراف على حملة المتابعة والتجسس على معارضي النظام ومنظماتهم بالتعاون مع القنصليات العامة في نيويورك وهيوستن وشيكاغو.
وأشارت وثيقة وجدت في أوراق أصدرتها المحكمة الجنائية العليا في أنقرة بتاريخ 16 يناير (كانون الثاني) 2019 إلى أن وزارة الخارجية التركية جمعت قائمة طويلة من المؤسسات الأجنبية التي يمتلكها (أو يديرها) أشخاص كانوا قريبين من غولن وحركته.
وتشمل المؤسسات التي تجسس عليها الدبلوماسيون الأتراك المدارس والشركات والمنظمات غير الحكومية وغير الربحية والمؤسسات الموجودة في نيويورك وواشنطن العاصمة وجورجيا وبنسلفانيا وتكساس وشيكاغو، التي يعتقد أنها تحت إدارة كبار منتقدي الحكومة التركي.
وفي نيويورك، ينظر إلى مدرسة بروكلين أميتي كمؤسسة جمعت المسؤولين المحليين الذين حضروا الأحداث البارزة التي نظمتها إدارة المدرسة. وجمع الدبلوماسيون الأتراك معلومات عن مدير المدرسة، وعددوا مساهماته السياسية وحملاته. واستخدمت المعلومات المقدمة في تحقيق جنائي في تركيا.
وتشمل المؤسسات الأخرى التي تجسس عليها الدبلوماسيون الأتراك في مدينة نيويورك جمعية البلقان الأميركيين، وهي منظمة غير حكومية مقرها في نيوجيرسي وتعمل على تعزيز العلاقات بين دول البلقان والولايات المتحدة. كما تكشف الوثيقة مخبرين أتراك وظفتهم القنصلية التركية في نيويورك.
وشملت المعلومات المحوّلة الأنشطة الرياضية والمشاريع الاجتماعية والمخيمات الصيفية والبرامج التعليمية والثقافية التي ترعاها الجمعية كما لو كانت أنشطة غير شرعية.
ويلفت موقع "نورديك مونيتور" أن التركيز كان فقط على المعارضين الأتراك، حيث لم تسجل أي مراسلة من الدبلوماسيين بها تفاصيل عن هويات المسؤولين غير الأتراك في المؤسسة. كما امتدت التقارير إلى مؤسسة ويلسبرينغ الثقافية، التي أسست سنة 2001 في ويست هيفن بولاية كونيتيكت للتعليم وتنظيم حوارات بين الثقافات والأديان وعدد من القنصليين مسؤولي المؤسسة.
وذُكرت جامعة ستانفورد، والتي تشمل العديد من التخصصات بما في ذلك علوم الكمبيوتر والتعليم وإدارة الأعمال، في وثيقة تحصلت عليها وزارة الخارجية التركية. ويذكر أن جامعة نورث أميركان في ولاية تكساس عينت شريف علي تيكالان رئيسا لها. وهو معروف بانتقاداته اللاذعة لحكومة أردوغان، ويواجه قضايا متعددة في تركيا.
كما تجسست القنصلية التركية الموجودة في شيكاغو على مؤسسة نياغارا الثقافية التي تأسست سنة 2004. ووضع الدبلوماسيون الأتراك قائمة بأنشطتها التي ادعوا أنها ولّدت تعاطفا مع حركة غولن في المجتمع الأميركي. ووصفوا منتدى الرومي في واشنطن على أنه المنظمة الأكثر أهمية ونشاطا في العاصمة الأميركية في ما يتعلق بمؤيدي غولن.
وشددت الوثائق على مركز ريتريت في ولاية بنسلفانيا، أين يقيم فتح الله غولن. كما جاء ذكر منظمتين في نفس الولاية وهما ريسبيكت غير الربحية، ومركز ليهاي الثقافي الذي يشجع الحوار بين الأديان.
كما تشير الوثيقة إلى أن المسؤولين المعينين في السفارات تحت وظيفة مستشار وملحق للشؤون الداخلية تلقوا تعليمات رسمية من منظمة الاستخبارات الوطنية لإجراء عمليات تجسس. وكانت وزارة الداخلية التركية، عيّنت، وفق مرسوم مجلس الوزراء المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 25 فبراير 2018، مستشارين جدد للبعثات الدبلوماسية التركية في 71 دولة.
وفقاً للمراسلات الرسمية، تم تصنيف 52 مواطنا تركيا ممن تقدموا بطلب لجوء سياسي في جورجيا على أنهم أعضاء في منظمة إرهابية بواسطة موظفين دبلوماسيين أتراك. وزاد عدد طالبي اللجوء من تركيا في أوروبا والبلدان المجاورة بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
وطبقاً للوثائق التي نقلها الموقع السويدي، وضعت وزارة الخارجية قائمة طويلة من الكيانات الأجنبية، التي يجب رصدها، كما ذكرت الوثائق قائمة دول أوروبية تعرضت للتجسس من قبل السفارات التركية منها ألمانيا وفرنسا وألبانيا والنمسا وبلجيكا والبوسنة والهرسك وبلغاريا وجمهورية التشيك والدنمارك وفنلندا وكرواتيا وهولندا والمملكة المتحدة والسويد وجمهورية كوسوفو ولاتفيا وليتوانيا ولوكسمبورغ والمجر ومقدونيا ومولدوفا والنرويج والبرتغال ورومانيا وسلوفينيا وصربيا وأوكرانيا.
ومن أوروبا إلى الولايات المتحدة، لا يختلف الوضع كثيراً، وإن كان التركيز منصبا أكثر على الموالين لجماعة فتح الله غولن.
ووفق مراسلات تلقتها أنقرة من السفارة التركية في واشنطن والقنصليات الموجودة في مدن أميركية أخرى، نشر موقع نورديك مونيتور نسخا منها، جمع الدبلوماسيون الأتراك معلومات عن أنشطة كل من ينتقد أردوغان، وقدموها بتفاصيل دقيقة كما لو كانوا يلاحقون مجرمين، على حد تعبير عبدالله بوخزرت، المحلل في موقع نورديك مونيتور.
ويلفت بوخزرت إلى أن أردوغان استغل هذه التقارير الاستخباراتية في قضايا جنائية في تركيا، وبسببها وجد أكثر من نصف مليون مواطن أنفسهم في مراكز الاحتجاز خلال السنوات الثلاث الماضية، بتهم ملفقة، من أبرزها التورط في أعمال إرهابية، وهي التهمة الأكثر تداولا في عملية التصفية التي يقوم بها النظام التركي.