10 مبادئ ذهبية لإرساء حكومة المستقبل

مع نهاية القرن العشرين بدأت الحكومات في الدول الغنية والنامية - على حد سواء- بالبحث عن مناهج ومفاهيم إدارية جديدة تساعدها على البقاء والتكيف مع متغيرات وتحديات القرن الحادي والعشرين، الأمر الذي تطلب منها إجراء عملية إصلاح حقيقي لنظم الإدارة العامة، والعمل بطرق ومناهج جديدة.

 

ومن أحدث المناهج والمداخل في الإصلاح الحكومي ما يعرف بـ"إعادة اختراع الحكومة"، وهو منهج جديد ظهر لأول مرة في مطلع تسعينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية، سعيًا للوصول إلى حكومة رشيقة ومستجيبة وفاعلة وقليلة التكلفة تدار بطريقة إدارة منظمات القطاع الخاص قدر الإمكان، مما يعني تقديم نموذج جديد لدور الحكومة؛ بحيث تصبح جهاز تحفيز يتولى تهيئة الظروف، وصياغة السياسات، وتقديم أوجه الدعم والمساندة والحماية، بدلًا من تقديـم الخدمات، تاركة ذلـك لمنظمات القطاع الخاص والقطاع غير الربحي.

 

لقد جلبت نظرية "إعادة ابتكار الحكومة" فـي طياتها أبعادًا ومضامين وتوجهات فريدة، مثّل بعضها تحديًا واضحًا للنموذج البيـروقراطي الكلاسيكي السائد في الإدارة العامة، وللدور السياسي والاجتماعي للدولة.

 

ويرى ديفيد أوسبورن وتد جيبلر في كتابهما "إعادة اختراع الحكومة" أن النموذج الريادي يسعى إلى إدخال مبادئ السوق إلى كيان الخدمة العامة، وهو ما يجب أن يحل في البيروقراطية حاضرًا ومستقبلًا. وطرح الكاتبان (10) مبادئ وقضايا شكّلت جوهر النظرية ومرتكزاتها الفلسـفية الأساسية، وهي كالتالي:

- حكومة مساندة وتوجيه وليس حكومة تشغيل، بمعنى أن يقتصر دور الحكومة على قيادة دفة العمل من خلال عملية التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، وأن تترك عملية التنفيذ وتقديم الخدمات لمنظمات القطاع الخاص والمؤسسات غير الحكومية. وهنا تحولت الحكومة إلى ما يشبه (الشركة)، وأصبح المواطنون أشبه بالعملاء (الزبائن) لديها.

 

- حكومة تمكين: أي تمكين المجتمع ونقـل الثقـل والسيطرة مـن الأجهزة البيروقراطية إلى المجتمع، وهو ما يعني أن الشعب هو من يقرر طبيعة الخدمات العامة وكيفية تقديمها، وكيفية إدارة القضايا العامة بدلًا من سيطرة وتحكم الموظفين البيروقراطيين عليها، وذلك عن طريق جمعيات أو هيئات شعبية يتم انتخابها بطريقة ديمقراطية.

 

- حكومة منافسة: تشجع التنافس بين مقدمي الخدمات سواء بين منظمات القطاع العام، أو بين منظمات القطاع الخاص، أو بين القطاع العام والقطاع الخاص معًا مما يقي المجتمع بشكل عام من ظاهرة الاحتكار، وليس ذلك فحسب؛ بل إن عنصر المنافسة في العمل الحكومي يكسر الهيمنة، ويُعزز القيم الأخلاقية، ويرفع الروح المعنوية لدى موظفي الحكومة، ويحقق ميزة الكفاءة والفاعلية، ويشجع على الإبداع بين أطراف المنافسة لتقديم الخدمات بتكلفة أقل وجودة أفضل.

 

- حكومة ذات رسالة: أي حكومة موجهة بخطة استراتيجية تشتمل على رؤية واضحة، وغايات وأهداف يشتق منها هدف واضح لكل مؤسسة أو وحدة إدارية، مما يجعل الموظفين يشعرون بإحساس والتزام قوي نحو تلك الرسالة والأهداف، ويحفزهم على الإبداع وابتكار الحلول التي تؤدي إلى تحقيق تلك الغايات والأهداف، بدلًا من إدارة الحكومة بالأنظمة وبالقواعد.

 

- حكومة موجهة بالنتائج: أي لا تعمل كالحكومات البيروقراطية التي كل همها الحصول على أكبر قدر من المدخلات، سواء المالية أو البشرية دون الاهتمام بالمخرجات والنتائج؛ ففي ظل الحكومة الريادية يتم التركيز في المقام الأول على مؤشرات الأداء، والمخرجات، والإنجازات المتحققة فـي ضوء الغايات والأهداف المرسومة.

 

- حكومة موجهة بالعملاء: أي يجب على الحكومة حتى تتحول من العمل بطريقة بيروقراطية معتمدة على ما يخصص لها في الميزانية العامة، أن تتخلى عن الطرائق التقليدية الرتيبة، وأن تعمل على استقطاب موظفين جدد بمهارات رواد الأعمال أو إعادة تدريب الموظفين الموجودين على تلك المهارات، ليفكر ويعمل الموظف بطريقة رجل الأعمال (التاجر)، وذلك من حيث استشعار الفرص الاستثمارية ودراستها وتقييمها واقتناصها، والعمل وفقاً لمنهجية دراسات الجدوى وتحديد التكاليف، بجانب حساب الربح والخسارة، والمبادرة وسرعة الاستجابة، والبحث عن عملاء وتأسيس شبكة علاقات معهم، بالإضافة إلى استخدام أنظمة الحوافز المالية، وصنع القرار في حالة عدم اليقين.

 

- حكومة إدارة أعمال: الحكومات البيروقراطية تعمل وفقاً لنظام محاسبي وميزانية تقليدية يفرضان على المديرين الإنفاق دون التفكير في الدخل، بينما في ظل الحكومة الريادية لا بد أن يعمل المديرون على التفكير في كيفية مضاعفة الدخل وتحقيق إيرادات أكثر من الإنفاق، كما أنه في ظل الحكومة الريادية لا بد أن يصبح المديرون في القطاع العام أشبه برجال ورواد أعمال يمارسون أسلوب المخاطرة، ويعملون على خلق ثقافة ريادية. فيما تعمل الحكومة الريادية وفقًا لمنهجية دراسات الجدوى وتحديد التكاليف وحساب الربح والخسارة.

 

- حكومة تعمل بمنظور استراتيجي: أي لديها نظرة بعيدة المدى للأمور، من خلال التنبؤ ورسم صورة للمستقبل وفقًا لمتغيرات البيئة المحيطة، وبما يساعد على توقع المشكلات ومنعها بشكل استباقي، واتخاذ قرارات سليمة بشأنها بدلًا من الاستجابة لها بطريقة رد الفعل والنهوض لعلاجها بعد وقوعها، ومـا يترتب على ذلك من آثار سلبية مختلفة.

 

- حكومة لا مركزية: أي حكومة تعمل على تفويض الصلاحيات والسلطات للموظفين والمديرين فـي مختلف المستويات الإدارية، وبما يمكنهم من اتخاذ القرارات وحل المشكلات وتقديم الخدمات للمواطنين بأفضل صورة ممكنة.

 

- حكومة موجهة بالسوق: فبينما تكون الحكومة البيروقراطية هي المصدر الرئيس لتقديم الخدمات العامة، مما يضعف الإبداع والابتكار والمرونة، فإنه فـي ظل نموذج الحكومة الريادية يتاح للعملاء (المواطنين) توسيع خياراتهم وتفضيلاتهم عند شراء السلع والخدمات، لكونها تستعين بقوى السوق ومؤسسات القطاع الخاص لتدبير ما يحتاجه المواطنون وما تحتاجه الحكومة نفسها من سلع وخدمات بدلاً مـن تأسيس منظمات أو برامج حكومية لتتولى تقديمها.

 

ومنذ ذلك الوقت أصبحت نظرية إعادة اختراع الحكومة أنموذجًا عالميًا تبنته دول عديدة في العالم، وهي لا تزال تُشكّل واحدة من أهم نظريات الإدارة العامة التي لها بريقها وشعبيتها برغم مرور عدة سنوات على تطبيقها في أمريكا.

 

أخيرًا، يمكن القول إنه لكي تتم عملية اختراع الحكومة بنجاح، نحتاج إلى منهجية علمية وإطار تحليلي.