كرة القدم الأوروبية تتحضر لما بعد شلل «كوفيد-19»: التأثير المالي

سبّب تفشي فيروس كورونا المستجد شللا شبه كامل، وإن كان موقتا حتى الآن، على مستوى مسابقات أندية كرة القدم في أوروبا بدءا من هذا الأسبوع، ما يطرح أسئلة عن الضرر المالي الكبير الذي ستتكبده الرياضة الشعبية الأولى.

وبحلول مساء الجمعة، كانت البطولات الخمس الكبرى (إنكلترا، ألمانيا، فرنسا، إسبانيا وإيطاليا) قد أعلنت وقف المباريات التي عادة ما تملأ جدول عطلة نهاية الأسبوع، وذلك لفترات متفاوتة، مثلها مثل بطولات أخرى كالبرتغال وهولندا.

كما أرجأ الاتحاد القاري (ويفا) مباريات الأسبوع المقبل ضمن مسابقتي دوري الأبطال و"يوروبا ليغ"، ودعا لاجتماع الثلاثاء لبحث مصيرهما، ومصير بطولته الأهم للمنتخبات، كأس أوروبا، التي من المقرر ان تقام بين 12 حزيران/يونيو و12 تموز/يوليو في 12 مدينة.

وعمدت البطولات الوطنية بداية الى إقامة مباريات من دون جمهور، وهو ما طال أيضا المسابقتين القاريتين. لكن مع اتساع رقعة "كوفيد-19" الذي بات مصنفا وباء عالميا من قبل منظمة الصحة، والقيود الكبيرة التي فرضت من قبل دول عدة على حركة السفر، وجدت الهيئات الكروية نفسها مرغمة على فرض تعليق شامل حتى مطلع نيسان/أبريل على الأقل.

ولم يرُق القرار الأولي باستمرار المنافسات في غياب المشجعين، للعديد من المعنيين بكرة القدم، ومنهم البرتغالي أندريه فياش-بواش مدرب نادي مرسيليا الفرنسي الذي قال "برأيي يجب تعليق كل المنافسات".

وأضاف "في الصين (حيث البؤرة الأساسية للفيروس) تمتعوا بمسؤولية أكبر مما كان عليه الوضع في أوروبا".

لكن الواقع الاقتصادي والمالي بدأ يفرض نفسه على أندية القارة العجوز التي تنفق كميات هائلة من الأموال على فرق كرة القدم، وتعتمد بشكل كبير على مداخيل المباريات والمشجعين وحقوق البث التلفزيوني.

وقال كارل هاينتس-رومينيغه، الرئيس التنفيذي لنادي بايرن ميونيخ بطل ألمانيا في المواسم السبعة الماضية، "في نهاية المطاف، الأمر يتعلق بسبل تمويل كرة القدم المحترفة"، وذلك ردا على سؤال عما اذا كان من الأفضل وقف مزاولة اللعبة في ألمانيا لما تبقى من الموسم الحالي.

وأضاف "اذا لم تحصل على الدفعات من الناقلين التلفزيونيين، العديد من الأندية الصغيرة والمتوسطة ستعاني من مشاكل في السيولة".

وبحسب دراسة لإذاعة "كوبي" الإسبانية، ستخسر أندية الليغا التي أعلنت هذا الأسبوع التوقف لمرحلتين على الأقل، ما مجموعه 600 مليون يورو (665 مليون دولار أميركي) بحال عدم إقامة مباريات أخرى هذا الموسم.

سيؤثر ذلك بشكل كبير على الأندية، لاسيما الصغيرة والمتوسطة التي لا تتوافر لها قدرات مالية كبيرة أو عقود رعاية ضخمة.

ويخشى ان يمتد التأثير الاقتصادي لذلك أبعد من كرة القدم، اذ تساهم الرياضة بـ1,4 بالمئة من مجمل الناتج المحلي في إسبانيا، بحسب أرقام نشرتها رابطة الدوري.

أما في إنكلترا حيث تعد عقود البث التلفزيوني من الأغلى في العالم، فيتوقع ان تتمكن أندية الدوري الممتاز من تحمّل الخسائر التي قد يسببها إيقاف المباريات لفترة وجيزة، الا ان التأثير الأكبر سيطال أندية الدرجات الثلاث الأدنى، والتي أرجئت منافساتها أيضا مثل مباريات دوري السيدات.

وقال رئيس نادي ستوك سيتي من الدرجة الإنكليزية الأولى (الثانية عمليا) بيتر كوتس لهيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي"، ان الأمر يختلف بالنسبة للأندية خارج الدوري الممتاز "اذ تعتمد بشكل أساسي على إيرادات حضور المباريات والنشاطات التجارية، في حين ان جزءا بسيطا من عائداتها مصدره وسائل الإعلام"، في إشارة الى مالكي حقوق البث.

وتابع "هذا (التوقف) سيتسبب بمضاعفات مالية خطرة" قد تصل الى حدود خطر الإفلاس بالنسبة الى بعض الأندية.

والى الشمال من إنكلترا، يبدو الوضع أسوأ بالنسبة الى أندية اسكتلندا حيث تغيب عقود النقل التلفزيوني الكبيرة بشكل شبه كامل، وتواجه الأندية احتمال المعاناة من شح مالي قاسٍ بحال توقفت المباريات طويلا.

ستكون فترة التوقف المقبلة بمثابة اختبار لمختلف أطراف اللعبة الذين وجدوا أنفسهم أمام سيناريو لم يكن يخطر ببال أحد.

وبعد تخبط في الأيام الأولى لجهة إرجاء مباريات والإبقاء على غيرها، أو منع المشجعين من الحضور، رسا الخيار على إرجاء المراحل موقتا بدلا من إقامتها أمام مدرجات خالية، ما يفقد اللعبة الكثير من رونقها وحماسها للاعبين والمشاهدين على السواء.

ما قد يطمئن الأندية على الأقل هو ان عقود البث التلفزيوني وعائداتها ستجد طريقها الى خزائنها عاجلا أم آجلا، وستعوض بشكل ما غياب إيرادات المباريات والملاعب طوال فترة التوقف.

على رغم ذلك، لا تزال الهواجس الاقتصادية لاعبا أساسيا في الأروقة.

ويقول رئيس نادي رينس الفرنسي جان-بيار كايو "المشكلة المباشرة الفعلية هي تدفق السيولة لأن أيا منها (إيرادات البث) لن تأتي قبل شهر على الأقل. هنا سنرى أي أندية تدار بشكل جيد وتتمتع بنموذج اقتصادي سليم"، وستكون بالتالي قادرة على التأقلم مع هذه المرحلة المالية الصعبة.

في الوقت الراهن، تجد القنوات التلفزيونية التي التزمت دفع مبالغ طائلة، نفسها من دون مباريات جارية لبثها مباشرة على الهواء، وإيصالها الى مشتركين سبق لهم ان دفعوا اشتراكات أيضا للحصول على هذه الخدمة.

وعلى امتداد القارة العجوز وأبعد منها، سيكون على هذه القنوات التأقلم بحسب ما يقتضيه الوضع في الأيام والأسابيع المقبلة.

ويقول المدير العام للدوري الفرنسي ديديه كويو ان القناتين الشريكتين للبطولة، "بي ان سبورتس" القطرية و"كانال بلوس" الفرنسية، "تدعمان القرار (تعليق المباريات). نحن في وضع استثنائي والناقلون يتفهمون ذلك".