مقال أردوغان يكشف التخبط بشأن اعتداء نيوزيلندا.. والرئاسة التركية تحاول حفظ ماء الوجه

ما إن مرت ساعات على إلقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطابا وسط أنصاره بشأن الاعتداء الإرهابي في نيوزيلندا الذي راح ضحيته 50 قتيلا وأكثر من 40 مصابا، ليكشف به أهدافه السياسية قبل الانتخابات المحلية التركية، حتى خرج في مقال آخر نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية محاولا فيه مغازلة الغرب.

لغة مقال أردوغان بشأن الهجوم الإرهابي على المسجدين في نيوزيلندا، كشفت مرة أخرى عن خطاب مزدوج لصق بالرئيس التركي.

فعندما أراد أردوغان توجيه رسائله إلى الغرب اختار لهجة أكثر عقلانية وهدوءا من خطابه وسط أنصاره، أشاد فيها بتعامل المسؤولين في نيوزيلندا وخاصة رئيسة الوزراء مع الحادث.

لهجة أردوغان العقلاينة في مقاله غابت تماما عن خطاباته الانتخابية طوال المناسبات الماضية والتي أعقبت الحادث، فقد استغل الاعتداء لحشد التأييد عبر هجوم انحدر فيه إلى مستوى المتطرف مثيرا عاصفة من الانتقادات.

ظهر أردوغان بعد الحادث مباشرة في تجمع انتخابي وسط أنصاره، ليعرض أمام الآلاف شريط الفيديو المروع الذي صوره الإرهابي خلال ارتكاب المجزرة، رغم مناشدة السلطات النيوزيلندية بعدم نشر اللقطات.

ولم يكتف أردوغان بنشر الفيديو بل عمل أيضا على نشر مقتطفات من بيان الإرهابي وتسييس الهجوم، قائلا إن المسلح وجه تهديدات لتركيا والرئيس نفسه، وإنه يريد طرد الأتراك من شمال غرب تركيا الواقع في أوروبا.

واعتبر مراقبون في صحف أجنبية مثل نيويورك تايمز الأمريكية، وزمان التركية، أن أردوغان لم يتصرف كرجل دولة حين اختار الرد على بيان المهاجم بنفس اللهجة المتطرفة بل عمل إلى استعادة أحداث تاريخية ليوجه تهديدات مبطنة إلى نيوزيلندا، وأخرج الهجوم من سياق العمل الفردي.

قبل أن تصدر الرئاسة التركية بيانا اليوم قالت فيه إن تصريح أردوغان حول اعتداء نيوزيلندا الإرهابي "أخرج عن سياقه".

وأثارت هذه التصريحات المثيرة للجدل غضب رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون الذي وصفها بأنها "متهورة" و"مشينة" و"مسيئة" رافضا "الاعتذارات" التي تم تقديمها، بعد أن كانت بلاده استدعت السفير التركي على خلفية تعليقات أردوغان.

ويبدو أن موريسون لم يدرك أن أردوغان لجأ إلى هذا الخطاب المتطرف للاستهلاك المحلي وشد العصب الديني في بلاده، وهو السلاح الذي دأب الرئيس التركي على استخدامه لتنفيذ أجندته في الداخل ودول الجوار، عبر إظهار نفسه كبطل في حين يسعى إلى تملق الغرب.

وهذا ما بدا واضحا في مقال الواشنطن بوست، حيث تبدو اللهجة مغايرة تماما، فقد دعا القادة الغربيين أيضا إلى التعلم من "شجاعة وقيادة وإخلاص" رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن و"احتضان المسلمين الذين يعيشون في بلدانهم".

وتحت عنوان "قاتل نيوزيلندا وداعش من نسيج واحد"، حاول أردوغان لعب دور الناصح عبر استخدام لهجة هادئة، مذكرا الغرب والأوروبيين خاصة، أن تركيا وريثة للدولة العثمانية التي كانت جزءا من "عائلة الأمم الأوروبية على مدار قرون".

وجدد الرئيس التركي في مقالته عزم بلاده على مكافحة كافة التنظيمات الإرهابية، مؤكدًا أنه "من الواضح أن الشعب التركي لن يغادر دياره التي استوطنها منذ قرون لمجرد أن إرهابيين يطمعون فيها".

وقال أردوغان، حسب ما ترجمت وكالة أنباء الأناضول نص المقال، إن "تركيا الوريثة للإمبراطوية العثمانية التي كانت جزءا من عائلة الأمم الأوروبية على مدار قرون، قد انضمت للتحالف ضد الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر".

وأردوغان الذي يدعي، في خطاباته للداخل، أنه لا يأبه لانضمام بلاده للاتحاد الأوروبي، نراه في هذه المقالة يتملق أوروبا لإنهاء مسار هذه العملية المستمرة منذ سنوات.

وقال "دولتنا التي انضمت لحلف شمال الأطلسي (ناتو) منذ مدة تزيد على 60 عامًا، ترى في الحصول على العضوية بالاتحاد الأوروبي، هدفا استراتيجيا، وسنواصل مكافحتنا لكافة التنظيمات الإرهابية مع أصدقائنا وحلفائنا".