مجلس الأمة.. ومجلس الشورى!؟

الوليد بن رشيد البيضاني

الديمقراطية والانتخابات كانت موجودة مُنذ القِدم وكانت نشاطاته تُمارس على عدة محاور في الزمان القديم، ويبدو أن شيئاً مازال موجوداً منه، كما أيضاً شيء منه قد اختفى اليوم. فمثلاً اليوم في الخليج العربي يوجد هناك مجلس للأمة في دولة الكويت وهنالك مجالس أو برلمانات عربية وخليجية أخرى كمجلس الشورى السعودي وغيره. بالطبع هنالك دائماً إيجابيات وسلبيات على ذلك المجلس أو ذاك البرلمان. فمثلاً مجلس الأمة الكويتي يراه البعض أنه مضيعةٌ للوقت، وأن ما يحصل من بعض أعضائه من تجاوزات سراً وعلانيةً لا يخدم المصلحة العليا للشعب من تطلعات وآمال لتطوير وسد حاجات المجتمع. لكن، في الجهة المقابلة أليس ذلك من رفع سقف حريات المواطن وتسليم أغلب مفاصل الدولة لذلك المجلس ودعوة كل أمر يتخذ مُعرضاً للنقاش والجدال ثم الحساب، مما يجّعل أن القرارات المتخذة والمصيرية فيها بعض من المراجعة والتدقيق، ومن ثم أن هنالك من يُعرض تلك القرارات مرةً أخرى للتدقيق فلا قرار قد يصدر بتهور أو بدون دراسة مجدية حتى لا يكون هنالك ندم على مضيعة الأموال والأرواح.

قد يرى البعض اليوم في مجلس الأمة الكويتي من مُهاترات ومُرافعات وجدالٍ حاد بين أعضائه أنه مهزلة ويخدش الصور الكاملة لدى ساسة وصُناع القرار الكويتي، لكن هذه المظاهرات لم تتغير مُنذ الأزَل فالسب والشقاق والطعن والمؤمرات الخفية كانت سمة هذه المجالس قديماً، لكن لا نعلم هل هذه الجهود المفرطة في داخلها سُخرت لأجل الحرية والديمقراطية أم للمصالح الشخصية والحزبية. فعلى سبيل المثال القائد والجنرال الروماني جوليو سيزار، ومن لا يعرف جوليو والشهر السابع الميلادي المُسمى عليه عندما ضم الأراضي الفرنسية كاملة للرومان، ورجع إلى العاصمة روما، كان جوليو الرجل الأول بلا منازع في عام 55 قبل ميلاد المسيح من بين ساسة وصناع القرار الروماني في مجلس الشيوخ. في ذلك الوقت كان الرومان لا يحكمهم لا إمبراطور ولا ملك بل كان الأمر كُله يُصاغ في مجلس الشيوخ. جوليو كان يريد أن يكون الإمبراطور الأول للروم، وأن يزيح صلاحيات ذلك المجلس من إدارة شؤون البلاد، فكان نتيجةً لذلك أن يتجمعوا عليه أعضاء مجلس الشيوخ؛ فيُسددوا له طعنات في الصدر والبطن لكل عضو من هذا المجلس طعنه حتى لا تكون هناك تهمة لمن قتله، تركوه على أرض المجلس يسبح بدمائه حتى فارق الحياة. كانت تلك هي ضريبة لمن يٌحاول أن يٌغير الحكم الديمقراطي.

لكن هذه المجالس لها أيضاً مساوئ وسلبيات أكثر من أن يظن المواطن العادي له نصيب منها، وأن بعضاً من حقوقه سوف يأتي يوماً ما، فعلى سبيل المثال اليوم هذه المجالس في أكثر البلدان ديموقراطية وحرية نرى أن نصيب الحزب ورؤوس الأموال هي من يكون لها المنفعة والمصلحة قبل كل شيء، فلا يظن كائن من كان أنه لا توجد محسوبيات ومصالح متبادلة تتاجر من داخل هذه القاعات في شعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان فهذه مجرد عروض كبيرة تدار في الإعلام حتى توزع نسبة الأرباح بين الحزب المنفذ لهذه العروض أو إحراج الحزب المنافس من تلك العروض، قد تكون هذه العروض نهب أموال الدولة أو تشتيت الرأي العام أو حتى لو أُجبروا على شن حرب على دولة أُخرى والأمثلة كثيرة على ذلك.

مجلس الشُورى السعودي هو أكثر المجالس في العالم محافظةً فلا يوجد هنالك غوغاء أو اضطرابات حزبية أو تكتلات قبلية ولا تكونات طائفية وأضف على ذلك اللغة العربية الفٌصحى الجميلة هي خطاب وحديث المجلس. لكن مع وجود هذه المُميزات الرائعة مازال المواطن العادي يريد أن يكُون هذا المجلس مُتنفساً لحل المشاكل اليومية والحياتية التي تواجهه، كان أمل المواطن أن يكون المجلس سُلطة نقاش وتدقيق لبعض القرارات الداخلية المصيرية كالتعليم والصحة وغيرها من الخدمات المدنية. الأمل أن يكون هنالك حساب وتدقيق على الملفات الكبيرة والحساسة حتى تطرح الأفكار وتناقش بطريقة جماعية لا فردية، كخفض مستويات البطالة وتدهور التعليم وحل أزمات الإسكان وغيرها. فيوماً ما يتمنى المواطن أن يرى مسؤولاً ذا سُلطة وقرارات أن يُحاسب بعد فترة إشغال منصبة أو مُناقشة خطته عند توليه منصبٍ هامٍ على الهواء مباشرةً حتى يتمكن المجلس والشعب من تطابق خُططه وانجازاته.

لكن لنكن دائماً حذرين من مثل هذه المطالبات والدعوات فمثل تلك الدعوات قد تأتي من غطاءات ومبررات من يأخذ تطوير مجلس الشورى على حسابات وتوجهات المملكة، فالمملكة والمجلس تشريعه وقانونه القرآن والسنة النبوية. وتوجه المملكة الخارجي معلُوم ومُعرف فلا هو توسعي أو تدخلي أو توجه احتلالي، بل هو مساعدة المظلوم ونصرة المحتاج في أرجاء المعمورة. فإن أردنا زيادة الصلاحيات لدى مجلس الشورى فليكن أولى أن تكون هذه الجهود تُصب في الخدمات المدنية والبنية التحتية وكيفية توسيع الرقابة عليها من قبل المجلس وبناء جسر قوي بين الشعب والمسؤولين أصحاب القرارات الحاسمة والمؤثرة على تنمية المجتمع والمؤسسات الحكومية والخاصة.
الوليد بن رشيد البيضاني
@eng_Alwaleeed