عدم استيعاب مقالة المالك.. يهدد أمننا الوطني!

عماد المديفر

 

لربما لم يكن أستاذنا صريحاً بما فيه الكفاية، رغم أني أراه تحدث بصراحة متناهية، تحتمها خطورة الوضع الحالي، غير أن جميع الردود والتفاعلات التي اطلعت عليها، سواءاً أكانت مؤيدة، أو معارضة لما ذهب إليه أستاذنا الكبير خالد المالك، كانت ملفتة حقاً! ومدعاة للتساؤل والقلق في آن!! إنها تركز حديثها حول “صحافة ورقية” و أخرى ” إلكترونية”..! “إعلام تقليدي” وآخر “جديد”..!  وعن ” حتمية دفن الورق”..! ما يعني أنها لم تستوعب بالفعل حقيقة ما ذكرته مقالة المالك العميقة: “بيني وبين الصحافة.. الخوف عليها”.. !

فعدا عن كون تلك الردود والتفاعلات، وخاصة المعارضة منها، كشفت إدراكاً سطحياً، وقصوراً ذريعاً في فهم ماهية “الإعلام الجديد”، والفرق بينه وبين “الإعلام التقليدي”، وأن صحافتنا القائمة حالياً، لا يصح علمياً موضوعياً، ولا مهنياً تطبيقياً، وصفها بـ “الإعلام التقليدي”، إذ إن جميعها لديه مواقع إلكترونية على شبكة الانترنت، تُحدَّث على مدار الساعة، ومتواجدة عبر العديد من منصات التواصل الاجتماعي المختلفة كالتويتر والفيس بوك والانستغرام والسناب شات، ويمكن الوصول إليها مباشرة، وتصفحها إلكترونياً أو بصيغتها الورقية الرقمية (الديجيتال) أيضاً، في أي وقت، ومن أي مكان في العالم، باستخدام الحاسوب والهواتف الذكية وعبر شبكة الانترنت، وأن مصطلح “الإعلام الجديد” علمياً -لمن يجهله- يشير إلى (الجمع) بين الوسائط الإعلامية التقليدية القديمة كالصحافة الورقية والإذاعة والتلفاز والسينما، والوسائط الإعلامية الرقمية الجديدة المتمثّلة بشبكة الإنترنت وما يحتويه فضاءها من مواقع تفاعلية، ويُستخدم الحاسوب والهاتف الذكي على نشرها والوصول إليها والتعاطي معها، أي أن الإعلام الجديد هو كل أنواع الإعلام الذي يقدم في شكل رقمي وتفاعلي، وأن ما يميزه عن الإعلام القديم -والذي لا تمثله صحافتنا حالياً- هو الكيفية التي يتم بها نشر المادة الإعلامية، والكيفية التي يتم من خلالها الوصول للخدمة، إذ يعتمد على اندماج النص والصورة والفيديو والصوت، فضلاً عن استخدام الحاسب الآلي كآلية رئيسة له في الإنتاج والعرض، وأن التفاعلية هي السمة الفارقة، وهو ما نراه فعلياً يحدث في جميع مؤسساتنا الصحفية، وخاصة الكبيرة منها، أقول، فعدا عن ذلك كله؛ فإن ردود الأفعال تلك، أظهرت كذلك نظرة قاصرة لتلك المقالة التاريخية الخطيرة والتي كانت بمثابة إبراء ذمة، وإخلاء مسؤولية، وقرع لناقوس الخطر، من قبل رئيس مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين، وأكثرهم مهنية ودراية، وأعلاهم خبرة، تجاه أداة مهمة من أدوات الوطن، وأسلحته الماضية، مالم تكن أمضاها على الإطلاق..! وكان المالك شخصياً -ولا يزال.. متعه الله بالصحة والعافية وطول العمر- أحد أبرز الرموز الوطنية السعودية التي بنت هذا السلاح الوطني.. وهذه الأداة الفاعلة.

ولست هنا أعمم على جميع تلك الردود والتفاعلات التي اطلعت عليها، إذ من بينها من كان يعي تماماً أهمية ما ذهب إليه عميد الصحافة السعودية والخليجية بل والعربية.. الأستاذ خالد المالك، ففرح بالحال التي وصلت إليه الأوضاع المالية لمؤسساتنا الصحفية الوطنية، جراء ضعف وركود حركة السوق والتجارة، ليس فقط على الصعيد المحلي، بل والإقليمي والدولي، وبالتالي عزوف المُعلن الذي هو مصدر الدخل الأساس للصحافة، فكانت فرصة سانحة لتلقف تلك المقالة، والعمل بمكر ودهاء على تأطيرها، لخدمة أجندته التي ما فتئ يعمل عليها منذ زمن، لاسيما أن أخشى ما يخشاه، هو التعاطي مع المقالة وتحذيراتها بكل جدية وفاعلية وإيجابية، فبادر فوراً إلى ترسيخ هذا الفهم القاصر لما جاء في المقالة، وحرفها عن معناها وهدفها الحقيقي، وتسويق دعاية “الإعلام الجديد” و ” التقليدي” و “دفن الورق” وإشغال الناس والرأي العام في ذلك بهدف الوصول إلى غاية مناه في إضعاف مؤسساتنا الصحفية! كونه بالأساس عميلٌ مشارك بفاعلية في استهداف الصحافة السعودية، والتشكيك في مهنيتها، وله ممارسات سابقة مثبتة في محاولات بائسة فاشلة في اختراقها بداية، ولربما فشل في ذلك، فعمل على نزع  الثقة عنها، وزعزعة مصداقيتها، كونها حائط الصد الأول والسد الأكبر والأمتن الذي يقف حائلاً أمام تحقيق مخططات العدو الإجرامية- وفي مقدمهم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين- التي تستهدف بالأساس مصالحنا الوطنية العليا، هذه المصالح التي تتزعزع الدولة وتنهار إن هي فقدتها..

لا شك أن الصحافة، عملياً، هي الأداة الفاعلة، ابتداءاً، لتنفيذ السياسات، وتحقيق المصالح الوطنية على الأرض، والمحافظة عليها، سواء أكانت سياسات داخلية أو خارجية، فوفقاً لرؤية عالم الاتصال السياسي “كوهين”، فإن الصحافة بجميع أشكالها، تُمارس أدواراً مختلفة في العملية السياسية؛ فهي مراقبة للأحداث ومخبرة عنها، ومفسرة لها، وهي مشاركة في السياسة، عن طريق ما يقدمه صانع السياسة لها، ويوظفها من أجله، وهي محفزة ومثيرة للمبادرات السياسية، فمن خلال الوسائل الإعلامية وفي مقدمها وأساسها الصحافة، تخلق حركة سياسية تشكل موجة من الرأي العام تفيد سياسات الدولة، وتخدم مصالحها الوطنية ، وتهيئ الرأي العام، محلياً كان أو إقليمياً أو دولياً، لتفهم مواقف تنوي الدولة اتخاذها، أو تضعف أو تفتت قوى معادية معينة، وهو ما يستخدمه العدو باستمرار ضدنا.. ففي الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة إلى دعم سلاحنا الإعلامي والصحفي على وجه الخصوص، وتطويره، تخرج أصوات بكل خبث، تمرر رسائل توصل بشكل غير مباشر إلى أن  نرمي أمام العدو سلاحنا.. فقط لأن المُعلن (في الإعلام التقليدي والجديد) عزف عن الإعلان؟!!

إن العلاقة التي تربط الصحافة بالسياسة، هي بحسب الخبراء علاقة اعتماد متبادل، وقد عبر العالم الشهير “Almond” عن ذلك في عبارته المعروفة: ” كل شيء في السياسة اتصال”، أما أنا أقول: “كل شيء في السياسة.. صحافة”. 

عماد المديفر