من .. لأبي غيري!!

عبدالله الشريف

يصعب على النفس البشرية ان تتخلى عن جذورها .. بلا شك هذا جزء من وفاء لايعرفه الا العربي و تحديدا هناك لا أت تحتها الف خط أحمر لايمكن العبث به .. رئيسي بالعمل قبيل ثلاثين عاما تقريبا الانجليزي “مارك” كانت حياته المهنية رائعة ويملك من الخبرة ما يجعله عبقريا بحق .. كنت ازوره بين الفينة والأخرى في مسكنه .

هذه عادة عربية سيئة للتقرب من المسؤل فإما أن تلقمه “مفطح” او يمنحك “شلوتا”.. وكانت تزعجه تلكم الزيارات بأعتبارها عبث ومضيعة وقت على حد قوله .. اكتشفت مع الايام انه كتلة حيوان على شكل انسان لا يملك شيء من مقومات الانسانيه.

همه الاول والاخير ان يعمل ويتقاضى راتبه ليسافر كل ستة أشهر من أجل الفساد والعربدة!!

مارك رمى بأمه وأبيه في ملجأ.. لا يعرف عنهما سوى رسائل يتلقاها كل ستة أشهر تبين حالتهما الصحية .. وفي إحدى الرسائل تلقى وفاة والده.. بالضحك ساخرا ” .. كان يقول عنهما هؤلاء عبيء في الحياة لا يمكن ان يستمر .. وجهه الاحمر ينم عن كفر وعقوق رغم جمال صورته.

غادر مارك المملكة لكن كل تصرفاته العامه لاتزال تجول في خاطري غير مصدق ان يكون هناك جنس بهذا الجحود .. على النقيض تماما يعيش صديقي “ابوفراس ” متخفيا من رجال الأمن والمحكمة وحتى من عامل البلدية ان يقبضوا عليه لدرجة انه يخرج للمسجد المجاور لبيته خلسة.

وهو يعيش مأساة لذنب يرى أنه يتحمله بكل رحابة صدر رغم انه لم يقترفه.. فقد توفي والده قبيل بضعة اعوام وترك له إرث من الديون لكنه لم يتوانى للحظة ان يحقق حلمه في جعل قبر ابيه عليه شأبيب الرحمة منزل رحمة ..لاعذاب .

تحمل كل تبعات ديون ابيه في جزء كبير من دخله يستقطع شهريا حتى انه تكفل بزوجة ابيه التي طردته وعمره عام بعد وفاة امه واصلح لها شأن بيتها وتحمل تبعات اقساطه ولايزال يخدمها .. برا بوالده .. عاش “ابوفراس” كل معنى اليتم في طفولته وعمل بوابا ثم حارس أمن وقبلها كان يرعى الغنم لأقارب له مقابل طعامه فقط بل وصل به الحال أن يغسل سيارات اقاربه من أجل أن يجد المال.

لم يكن هناك من يشفق عليه وعلى طفولته القاسية .. تعلم واكمل دراسته وتخرج وتقلد افضل المناصب في كفاح عجيب يحكي قصة انسان عانى ويلات الضياع والتشرد.. كان ينام احيانا كثيرة بلا طعام ويذهب لمدرسته مثقلا بالنوم والجوع لكنه صمد في وجه كل تيارات الخنوع ليستمد القوة بالعلم . اليوم يقف “ابو فراس ” على مفترق طرق حائرا بين الدفع والخلاص.. الامر الذي إضطره للاستدانه من صديق آخر توسم فيه الشهامة والنبل لكنه سرعان ما اوقعه في حظه العاثر حين تقدم بشكوى ضده طالبا مال الاستدانه الذي لايتجاوز المائتي الف ريال هي كل معاناتة.

” ابوفراس ” يبهرك بنخوته وشيمته العربية رغم كل الوجع الذي يحرق قفصه الصدري لكنك لاتعرف مابداخله..اتصلت به ذات مساء لتأكيد حجز لي من دولة خليجية لم أشعر بوجعه وهو يحاول أن يخدم ويتجمل لكنه لا يملك شيء فخدماته موقوفه وأعماله متعطله.

كنت عاتبا عليه ولم يشعرني للحظة بمأساته التي عرفتها من صديق آخر .. هذا الرجل هو قصة لأسمى معاني النبل العربي الذي يخجل ان يبوح بحرقة قلبه وهو لا يملك المال الذي يسد به رمق وجوع فلذات كبده .. شيمتة ووفاءه لن تضيع عند الله .

وهو يعيش في جلباب ابيه حتى بعد الفراق..لكن معاناته القائمة تحتاج إلى اياد عربية تمتلك كل معنى التعاضد لفك قيده..وكفى.