شيطنة السلفية

في افتتاح التحالف العسكري ضد الإرهاب ألقى سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان- حفظه الله – كلمة قاطعة وصلت للغاية مباشرة من غير تزويق أو تمهيد: “أكبر خطر حققه الإرهاب والتطرف اليوم ليس هو قتل الأبرياء أو نشر الكراهية، إن أكبر خطر عمله الإرهاب المتطرف هو تشويه سمعة ديننا الحنيف وتشويه عقيدتنا ،لذلك لن نسمح بما قاموا به من تشويه لهذه العقيدة السمحاء”

لقد عدّ غوستاف كارل يونغ العمق الإنساني واحد، وأنه ليس من شيء جمعي صنعه البشر يموت…فاللغات والتقاليد والأديان تبقى حيّة في اللاشعور الجمعي، وأنّها ثوابت تعيش على شكل تصوّرات في أعماق الإنسان”

ولقد أبرزت الكثير من الدراسات السيكولوجية الروابط الوثيقة بين اللغة وبين الموروث بالاعتقاد بأنّ اللغة هي من نتاج اللاوعي الجمعي الذي يصبح المخزن الرئيس للصور والمعلومات وباستطاعته أن يخرجها عند الحاجة, وهو لا يتحكّم بها لأنّها رواسب غريزيّة تتحرّك بآليّة غير واضحة

يقول هيدجر “اللغة تقول الانسان” و يقول غدامير: «إنّ كل انخراط في الوجود يمرّ عبر اللغة» ومن مزالق اللغة وأخطارها أنها كثيراً ماتميل بنا إلى تجسيم المعاني المجردة التي لا وجود لها إلا في أذهاننا فتجعلنا نحسبها أشياء, ووقائع وموجودات مستقلة قائمة بذاتها.

لقد منينا بقولهم: (لا مشاحة في المصطلح) بل هناك مشاحة، ومشاحة…فأغلب مشاكلنا من غموض المصطلح وسريانه في العقل الجمعي فخلف الكوارث

ففي حرب المصطلحات سعى الأعداء لإلصاق معنى العنف بالإسلام, فتعرض مفهوم (ترهبون) للإزاحة من معنى التخويف إلى معنى العنف, في محاولة لتشويه دين الرحمة والسلام) ولا غرو فاليهود أسياد الرموز! حرفوا الكلم عن مواضعه فقالوا: السام، بدل السلام، والحنطة، بدل: الحطة!
و في الوقت الذي قاموا فيه بشيطنة السلفية ونعتها بأقسى العبارات, كانوا يستخدمون مع أسوأ العمليات أجمل وأرق الكلمات؛ فهم يسمون الهجمة لتخليص أسير صهيوني (أمطار الصيف، والنسر النبيل) والحرب على أفغانستان (الحرب العادلة، وعدالة بلا حدود) وأطلقوا على الدمار العربي (ربيعاً عربياً)

و ليس الغريب فعلهم, ولكن الغريب من انخدع فتلفظ بـ(السلفية أو الوهابية أو الجامية) وهو يصف التطرف والتشدد! وإنما السلفية هي “الجماعة المؤمنة الذين عاشوا في العصر الأول والتزموا بالكتاب والسنة من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان” فدل ذلك على أن هنالك جماعة سلفية سابقة وجماعة متأخرة تتبعها في نهجها, ثم كيف توصف بذلك وهي من وقف في وجه التطرف وقاوم الغلو والتشدد؟

وعلى الرغم من أن القوى العالمية لم تهتدي لتعريف مصطلح للإرهاب حتى اليوم, لكننا قد حسمنا الأمر وسميناهم باسمهم (الخوارج) وتبرأنا من فعلهم

وفي مقال “حرية وإخاء ووحشية” أعاد فيه الكاتب بريطاني النظر في دلالات مصطلح الإرهاب قائلاً: “في العقود القليلة الماضية، وخصوصاً منذ 11 سبتمبر، أصبحت كلمة “إرهاب” تستخدم بشكل مفرط، وعند استخدامه غالباً تقفز للذهن صور متعصبين ملتحين, ومن المفيد أن نذكر بأنه يعني شيئاً مختلفاً جداً”

إن (الشيطنة) أسلوب قديم من أساليب الحرب النفسية؛ ففي إطار الحرب الإعلامية التي صاحبت حروب نابليون صور الأوربيون روسيا على أنها بلد للهمج والعبيد العدوانيين الخانعين أمام حكامهم الطغاة

واليوم جاء الدور على الإسلام و شيطنته

يقول مورو بيرجر: (إن اهتمامنا بالأمة العربية ليس ناتجاً عن وجود البترول عندهم بغزارة، بل بسبب الإسلام، يجب محاربة الإسلام للحيلولة دون وحدة العرب، التي تؤدي إلى قوة العرب، لأن قوة العرب تتصاحب دائماً مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره…إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر)

يقول الفيلسوف سن تسو:” إن أعلى فنون الحرب هو ألا تقاتل مطلقاً, بل هو أن تخرب أي شيء ذا قيمة في دولة عدوك”

لقد أدرك ولي العهد الهدف وراء أعمال العنف هو (تشويه عقيدتنا) وهذا يتطلب المواجهة المباشرة ونشر الحقائق, ومن المفيد كذلك القيام بمشروع لعمل قاموس تاريخي للمفاهيم الأساسية لتنقية مفاهيمنا الإسلامية من حمولتها التاريخية ويضبطها بسياقاتها, ولا بأس من الاستفادة من تجربة كوزليك الذي عمل طوال 30 سنة على وضع معجم تاريخي للمفاهيم الأساسية في الفكر الألماني.

إننا اليوم بحاجة إلى إعادة النظر في مفاهيمنا وإعادة بناء الابستمولوجيا, و تقديم الحقيقة من بطون اللغة والتاريخ عبر قاموس خاص بالمسلمين يكون مرجعنا في معرفة المفاهيم التي لحقها الغموض كالإرهاب والسلفية والجامية ..ونحوهم

ولدينا أمل في وعود سموه الكريم حينما وعدنا بقوله: “لذلك لن نسمح بما قاموا به من تشويه لهذه العقيدة السمحاء”

ونرجوه أن يبدأ بالعدو القريب الذين هم من بني جلدتنا ويتحدثون في الصحف والمنابر بألسنتنا وهم العدو الحقيقي الذي ما فتئ يكيل التهم لعقيدتنا وينتقصها ويصفها بصفات ونعوت ليست لها.