سجون لاتحوي إلا عهد التميمي

د. أحمد الطيار

من خلال متابعتي للأحداث المتعلقة بقضية عهد التميمي لفت انتباهي الكثير من الأشياء ولكن وقفت ساكناً ومحتاراً إلى أن توالت الاحداث عاصفة و تم الإفراج عنها.

لكن لماذا سلطت كل هذه الأضواء على (عهد) دون سواها؟ هناك آلاف من الأسرى والأسيرات الفلسطينيين من مختلف الأعمار لكن لم تلقى قضاياهم ذلك الإهتمام كما ( عهد )!

فقد صرحت حنان عشراوي عقب الإفراج عن عهد وقالت أنه لايزال هناك ما يقرب من 5900 معتقل، بينهم 291 طفلاً، محتجزون حاليًا في السجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية.

‏ أغلب الظن أن الكثير من الإجابات على هذا السؤال الموجودة في العقل الباطن العربي يشابه اليأس والتكرار والإحباط والنظرة المتشائمه! لكن هل من الضروري أن نأخذ كل ما تحوي هذه الإجابات وتكرارها مع البقاء في نفس المكان؟ لابد وأن نثق تمام الثقة أن ثقافة فن الممكن و عناصر التغيير والتجديد قد دخلت في قضية عهد التميمي.

وأغلب الظن أنها ليست من باب الصدفة، ‏لأن التجارب علمتنا أن اليد التي أسرت عهد هي ذات اليد التي أسرت آلاف الفلسطيينين لكن ماهو الشيء المختلف هنا ؟

هناك عنصر قد ادخل على طريقة التفكير والتعاطي مع حادثة (عهد) ، هذا العنصر يفهم ويعرف كيف يفكر الغرب ويرى الأحداث من نفس الزاوية التي يرى منها الغربيين العالم!! ولذلك إستخدم القوة الناعمة!

نعم إنها القوة الناعمة يا سادة … فهي الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية والقدرة على التأثير على العواطف وتأجيج المشاعر!!

من دون اللجوء للمواجهة التقليدية . ‏إن الشعوب الغربية نرجسية و يغلب عليها العاطفة والقوى الناعمة تعتبر أكبر محرك ومؤثرة فيها ، وهذه الشعوب تؤثر في حكوماتها وأحزابها السياسية ولديها من الفعل ما لا تفعله النار بالهشيم.

نعم ‏يا سادة ملامح عهد التميمي (الأوْرَبية) تم إستخدامها في هذه القضية ومغازلة العقل الباطن الغربي بها وقد كان لها دور فعال في تحريك عواطف وتأجيج مشاعر الغرب وتحريضهم ضد إسرائيل وبالتالي لم تقدر إسرائيل على تحمل تلك الضغوط الغربية.

وكان لهذه الضغوط الأثر الأكبر وإلا لما تم الإفراج عنها من من وسط مصفحة وحراسة إسرائيلي مشددة لكي تصل الرسالة كاملة !

إن حادثة عهد التميمي من حيث الاهتمام الغربي بها يعيد إلينا ذات السيناريو مع الفتاة الأفغانية (شربات جولا) التي إلتقط صورة لها المصورالامريكي ( ستيف ماكوري ) وتم نشر صورتها على غلاف مجلة ناشيونال جرافيك إبان الحرب السوفيتية على أفغانستان ولقبها الغرب بــ (الموناليزا الافغانية ) وحققت تلك الفتاة صاحبت العيون الخضراء أصداء جلبت معها تعاطف الشعوب الغربية كافة مع القضية الأفغانية… لماذا ؟

لأن ستيف ماكوري غربي ويفهم طريقة تفكير الغرب فالطريقة التي قدمت فيها الفتاة الأفغانية لامست العقل الباطن للمجتمع الغربي لذلك كانت تلك الأصداء.

لذلك عندما نقف متسائلين عقب الإفراج عن عهد التميمي و نتساءل هل التجديد والتغيير في التعاطي مع الحدث كان أهم عنصر في أن تميل الكفة لصالح القضية الفلسطينية في حادثة عهد التميمي؟

هل هناك من الأسرى والمعتقلين الفلسطنيين 5900 من يحمل نفس الجينات التي تحملها عهد ؟ هل آن الأوان في نقد ردود الأفعال والأحداث الماضية وطريقة التعاطي معها بالطرق التقليدية؟

استحضر هنا كلمة للمفكر محمد عابد الجابري حيث قال (نحن لا نمارس النقد من أجل النقد ، بل من أَجِل التحرر من ما هو ميت أو متخشب في عقولنا أو إرثنا الثقافي، والهدف هو فسح المجال للحياة كي تستأنف فينا دورتها وتعيدُ فينا زرعها ، ولعلها تفعل ذلك قريباً).

متخصص بالشوؤن الإقتصادية والإستراتيجية