العمة لن تفزع لأحد

نايف العلياني

لا أحد يعرف حتى الآن هل قامت العمة المذكورة في المقطع الشهير بالاتصال على الإعلاميين، ولا أحد يعرف كذلك إن كانت تنوي القيام بذلك بعد أصبح المادة المصورة دليل إدانة على أصحابها، حتى آلت الأمور إلى إيقافهم لينالوا جزاءهم القانوني، كثير من التعليقات صاحبت هذه القضية التي مازالت تستحق عدة وقفات، ولعلي أحاول ذلك في هذه السطور.
 
نتحدث في الغالب عن أشخاص ليسوا معروفين لمن شاهدوا المقطع، ولكن طريقتهم في الحديث كانت بمثابة التعريف بهم، وبالتالي فمن الطبيعي أن يعتقد أي منا أن هذه العائلة استخدمت هذا الأسلوب في أكثر من موقف، واستعانت في بعض الأحيان بالدعم الذي يأتي من عمة ذات صلة بإعلاميين، لقد بدا أنهم معتادون على ذلك، أمام جمهور لا يمكنه الحكم إلا بالظاهر.
 
الأسئلة هنا، هل كانت العمة ستقف معهم بالفعل وهم في ذلك الموقف؟ وما هو السيناريو الذي كان قد يحدث في حال لم يتم تصوير المقطع؟.. ثمة ما يجعلني أعتقد أن العمة “لن تفزع” في هذه الحالة، ليس فقط لأن من يطلبونها يفتقدون أي دليل على سلامة موقفهم، ولكن لأني كذلك أحسن الظن بأن هذه العمة لن ترضى في أن تكون في موضع شخص يتم استغفاله بمجموعة من العبارات المفتعلة، وإن رضيت فهي ستورط نفسها، لأنها ببساطة لن تعرف ماذا ستقول بالضبط.
 
لذا أعتقد أن ذكر العمة لم يكن سوى ذر رماد ليس أكثر، واستكمال للحالة المسرحية والاستعراض الذي قام به ذلك الشخص الذي قد يكون يعلم في تلك اللحظة أنه ليس باستطاعة أحد أن يساعده بما في ذلك العمة نفسها، ولكن كان عليه أن يستمر في لعب الدور للنهاية، فالتهديد كان جزءاً من تهربه اللفظي الذي تضمن كذلك عبارات مزايدة ومحاولات مستميتة لفرض مشكلة بالقوة، فقط لكي لا يواجه مشكلته الحقيقية، وكي لا يجيب على الطلب المحدد جداً “أعطني إثباتك”.
 
لن أتطرق للمخالفات النظامية في هذه الحالة فهي تسير الآن وفق إجرائها القانوني، ولكني سأتحدث من زاوية يمكن وصفها بالغيرة المهنية، فقد استمعنا إلى شخص يعتبر الإعلاميين مجموعة من الأدوات المهيأة دائماً لتصعيد الأمور بمجرد تلقيهم اتصالاً، وهذه قناعة قد تكون موجودة في أذهان البعض ولكنها غير صحيحة على الإطلاق، فالإعلامي الحقيقي لن يقف مع قضية غير عادلة، ومعرفتك بإعلاميين لن تعني أن بمقدورك استخدامهم كيفما شئت.
 
الأمر ذاته ينطبق على وسائل التواصل الاجتماعي، فقوة التأثير التي أحدثتها هذه الوسائل لا تعني أن بإمكان أي شخص استخدامها لصالحه أو تمرير ما يشاء من خلالها، ولا بد هنا من الإشارة إلى أمرٍ لم يحدث سابقاً في حدود علمي وهو أن شخصاً يقوم بتصوير ونشر مقطع بهدف كسب التأييد، ولكن الرأي العام يبدي وعياً عالياً في تفنيد موقفه بالاعتماد على معطيات بالغة الوضوح، وبالتالي أصبح اللجوء إلى وسائل التواصل بمثابة تسليم الرجل لنفسه بكامل الإثباتات.
 
أما آخر الوقفات، فهي مع رجل الأمن الذي حصل على ما هو أهله من التقدير من القيادة والمواطنين وليس هذا بمستغرب في وطننا، ولكن أحد أكثر الدروس عمقاً هو أن العمل المخلص يسخّر الله من يبرزه حتى ولو كان ذلك بطريقة غير متوقعة تماماً، فضلاً عن أن ما أبداه الرقيب مشعل بن خلف من صبر وضبط نفس أصبح مصدر إلهام للآلاف الذين شاهدوه، والذين سيستحضرون هذا الموقف دائماً في مواجهة المواقف الأكثر صعوبة في عملهم وحياتهم.

 

نايف العلياني