ترمب في حضرة الدروس السعودية

غازي الحارثي

 

قدرة السعوديين على الحفاظ على مكتسباتهم مع تبدّل الرؤوساء الأميركيين تمثّل الدرس الأكبر في الدبلوماسية ان شئت عزيزي القاريء أو في حكمة الحاكم أيًا كان.. من عبدالعزيز إلى سلمان.
ومن قبل مجيء ترمب فقد درس السعوديين شخصية الرئيس الجديد وعلموا جيداً أن مايقوله لجمهوره الشعبوي الجارف قبل يناير 2017 سيقوله لامحالة بعد هذا التاريخ حيث أن طبقة الناخبين “الترمبويين” تحتاج لأن يبقى صدى خطاب ترمب الانتخابي يتردد كل يوم خصوصاً وأن رجال الدولة العميقة والحرس القديم حدّوا سكاكينهم ضده وعبّر عنها “الخوف” و “النار والغضب” وتحقيقات مولر واتهامات التواطؤ مع الروس و و و و إلخ.
وقد أقول بأن السعوديين الذين حقّقوا الكثير من القفزات الناجحة في علاقاتهم مع واشنطن واتّخذت إدارة ترمب استراتيجية تعجبهم في الشرق الأوسط -أو ساهموا في رسمها- سيعتبرون أن صمود الرئيس ترمب قبل انتخابات 2021 أكثر أهمية من مطاردة تصريحاته الانتخابية. قيل هذا بعد تجربة 8 سنوات مريرة مع باراك أوباما.
لكن في المقابل فإن كل هذه المعطيات لاتعني كل الأبعاد الهائلة التي روّج لها قطرياً وإخوانيًّا.. فلا السعودية تعتمد اعتماداً تاماً أو شبه تام على الحماية الأميركية ولا حتى على السلاح الأميركي الذي يشكّل معدّل 60% من تسليح القوات المسلحة السعودية. حيث يمكن للسعودية وببساطة أن تحافظ على أمنها وتقدّم الحماية للكثير من جوارها مع الإعتراض والغضب الأميركي حتى، وفي أحداث البحرين 2011 خير رسالة يعرفها الرئيس السابق أوباما حينما كان ترمب غارقاً في أسواق البورصة والعقار. ويُمكن للسعودية أيضاً أن تذكّر ترمب بأنها تأسست من لاشيء قبل أكثر من 30 سنة على قيام اتحاد الولايات المتحدة الاميركية ويمكنها أن تذكّره بأن وهم الحماية مقابل المال، ليس بأكثر وضوحاً من النفط مقابل السياسة في حرب اكتوبر 73 ويمكن لهنري كيسنجر أن يعطي ترمب دروساً من ذلك التاريخ.
في هذه المرحلة بالذات فإن السعوديين معنيّون بتقديم دروس التاريخ أكثر من تعلّمها ، حيث لاتاريخ كُتب في المنطقة إلا بمشاركة الحبر السعودي فيه ولا حاضر يُرسم لها إلا بإشراف السعودية عليه ولذلك كانت محور سياسات ترمب الكبيرة في المنطقة، ومحور جذب جمهوره المتطرف ، ومحور إشغال ماكينة الجوار المنشغل بكل شؤونها.

غازي الحارثي