سري للغاية

بدر الغامدي

 

‏بالعادة و كشيء معتاد أقوم بتصوير بعض الأشياء من داخل بيتي الصغير . كأن أقوم بتصوير كتاب أو إهداء وصلني أو غيره . فيظهر في أطراف الصورة جزء من بيتي ، سواء كان طرفا من أثاث أو غيره . فتأتيني أسئلة عن الأثاث أو المقتنيات المنزلية من أين أشتري مثلها ؟! و هكذا . و من الأسئلة التي تردني أيضا لماذا لا تصور منزلك مثلا ؟ ، و تنشره في الإعلام الاجتماعي مثل البعض ؟ أقف مستغرباً هنا . و عند الحديث مع بعض الأصدقاء أو الأصحاب فيستغرب عن معلومة في حياتي الشخصية لا يعرفها قد يكون ذكرتها في سياق حديثي معه ، فيذكر لي أنه لم يسمعها منّي في حساباتي بوسائل التواصل الاجتماعي . أقف مستغرباً هنا مرة أخرى .

‏أصبح معنى الخصوصية والحياة الشخصية مختلفاً مع ظهور وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي. ففي الماضي كنا نعتبر الكثير من التصرفات والأفعال خاصة. وكنا نتحفظ على الكشف عن معلوماتنا أو تفاصيل يومنا لزملائنا أو معارفنا من غير المقربين. أما صورنا فكانت أمرا في غاية الخصوصية حتى بين الأصدقاء. أما الآن فقد أصبحنا ننشر الكثير من معلوماتنا الخاصة والشخصية حتى بدون طلب، طالما أن هناك جمهورا يستقبلها. ففي حديث أحد المجالس بدأت تذكر تفاصيل التفاصيل عن حياة إحدى الشخصيات التي انتشر صيتها في الإعلام الاجتماعي . قلت : كيف عرفتي ؟! ، قالت : ” هيا ذكرت ذلك في حسابها بالسناب شات “. أعتقد أني سأقف كثيرا من الاستغراب.

‏علماء الاتصال و الشبكات الإجتماعية يتحدثون عن مصطلح مخيف جداً يسمى ” التعرية الإجتماعية ” وهي أن تكون كل خصوصياتك منشورة على الإنترنت والشبكات الإجتماعية بوعي أو دون وعي منك ، و هذا شيء مرعب خصوصا هذه الأيام مع ازدياد اقتناء الأجهزة الذكية و انتشار مواقع و تطبيقات الإعلام الرقمي ، و إساءة البعض في إستخدامها.

‏الخصوصيات و الأسرار الشخصية أصبحت عياناً بيانا أمام مرأى و مسمع الكل . و المصيبة و الطامة الكبرى عندما تنتشر بعض المقاطع الخاصة لصغار السن بالذات ، إما خفية عن رقيب الأسرة أو بدعم كامل من الوالدين و الله المستعان . وإما عن قناعة تامة بذلك أو تقليد أعمى لآخرين . حتى أصبحنا نعرف ماذا تأكل و ماذا تلبس و ماذا تحب و ما تكره و متى تنام و متى تأتي أو تعود و ماذا ستفعل و … و … و . قال أحد المختصين في علم التربية : ” احرصوا ألّا تسكبوا كل ثقتكم في إناء الآخرين . فقد يكون مثقوباً ، حينها تكون الصدمة قاتلة . فتعلّم أن تحتفظ بخصوصيتك مع الآخرين “.

‏همست في نفسي و قلت : قد تزداد الحماسة عندي و أنشر أو أذكر شيئا من خصوصياتي ، و بالذات العائلية أو المنزلية ، و هي طبيعة تأثرية بالواقع . لكن الأصل أن هناك خطوطا حمراء نتوقف قبلها بكثير ، بل نشعر بها الآخرين أنه ليس لك الحق عن تفتيش خصوصياتنا . لأن سُرّاق الخصوصيات قد تندم أنك بثثت لهم أمراً في يوم من الأيام . مع أن البعض يراه أمراً عادياً ، لكن على الأقل أن نكون أكثر هدوءًا من حماسة البعض في نشر أسرارهم على وسائل التواصل الاجتماعي. هو مجرد رأي بثثته لكم . لأني أخشى أن تفعل ما قاله أحدهم ” لا تبصم لأحد بالعشرة أصابع ، و تفتح له خصوصياتك كاملة . بل اترك إصبعاً واحداً على الأقل ، فقد تحتاج أن تعضه ندماً أن فعلت ذلك “.

 

بدر الغامدي