د. سالم اليامي
مستشار سابق بوزار الخارجية، كاتب وباحث في العلاقات الدولية. كاتب رأي في الصحافة الوطنية منذ 2012
الأحداث الأخيرة في غزة كشفت الكثير من الأقنعة السياسية والحقوقية والثقافية لدى كثير من الدول، والمجتمعات، ومن ذلك حقيقة تاريخية تقول إن سكان إسرائيل جماعات من المهاجرين من مختلف شعوب العالم، بمعنى أن ما يسمى مجازًا بالشعب الإسرائيلي هم في الحقيقة عبارة عن مهاجرين من مختلف أصقاع الأرض خدعتهم الحركة الصهيونية بمقولة الوطن القومي لليهود في فلسطين.
ومع امتداد الفترة الزمنية على إعلان قيام دولة إسرائيل منذ ١٥ مايو ١٩٤٨م عندما أعلنت جولدا مائير في تمام الساعة الواحدة والنصف من ذلك النهار بتوقيت أرض فلسطين قيام دولة إسرائيل بشكل رسمي، لا يزال سكان دولة إسرائيل مهاجرين وذوي انتماءات ثانية لاحفاد المهاجرين المجريين بقيو مجريين في ثقافتهم وأكلهم ومشربه، وعاداتهم ويقاس على ذلك بقية المهاجرين من بقاع أخرى من العالم.
يؤكد هذه الفكرة الأعداد من الإسرائيليين التي غادرت إلى كثير من دول العالم بحجة أن لديهم جنسية ثانية، وكانوا من كل مكان تقريبًا من روسيا، وأمريكا ومن الدول الأوروبية، ومن أمريكا الجنوبية.
وهناك أمر ربما يخفى وهو تفسير لماذا يأتي يهودي فرنسي إلى بقعة ملتهبة أمنيًا وغير مستقرة سياسيًا في منطقة الشرق الأوسط، ولديه الجنسية الفرنسية، ويستطيع العيش هناك في بلد أكثر استقرار وأكثر أمنًا من إسرائيل؟ الجواب البسيط لذلك أن من تضيق بهم ظروف العيش الصعبة من سكان الدول التي ترسل المهاجرين إلى إسرائيل يحصلون على ميزات غير مسبوقة بمجرد العودة إلى مايسمونه بأرض الوطن، وتقول بعض التقارير الصحفية أن بعض العائدين أيًا كانت أسباب العودة، إدمان مخدرات، بطالة، صعوبة ظروف الحياة يجدون السكن، والعمل، وتسهيلات كثيرة أخرى مثل الحصول على قروض، وتأمين وسيارة في فترة تصل في بعض الحالات إلى أقل من أسبوع واحد.
إذًا إسرائيل مكان للمزايا المادية، لكن عند الشدائد الكل يعود إلى مسقط رأسه الحقيقي، هذه حقيقة ساعدت الأيام على بلورتها وإبرازها للناس.
ويؤكد هذه الفكرة أن عدد كبير من سكان المستوطنات في الضفة الغربية من سكان دول بعينها مثل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، ولاحظ غير مراقب هذه الزاوية عندما بدأت حالة من التوتر الشديد تتصاعد بين المستوطنين، وبين الفلسطينيين في الضفة على إثر التطورات الدموية في غزة، ففرضت بعض الدول ما أسمته عقوبات على هؤلاء المستوطنين مثل عدم السماح لهم بدخول أمريكا، وفرنسا، وربما ألمانيا، والعلاقة هنا بسيطة جدا وهي أن من فرضت عليهم العقوبات مواطنين مزدوجي الجنسية، والمواطن لا يمكن لأحد منعه من دخول البلد الذي يحمل جواز سفره، وهذا يكشف أن مثل هذه العقوبات هي عقوبات بالاسم فقط، وفي الحقيقة هي إجراء منزوع الدسم بمعنى إنه لا يترتب عليه أي أثر قانوني.
هكذا تكشف الأيام تواطؤ وتكاذب الدول مع كل أسف.