السعودية.. وجهة استثمارية عالمية
في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز مكانتها كمركز إقليمي رائد، تتجه المملكة العربية السعودية نحو استقطاب الشركات الأجنبية لإقامة مقراتها الإقليمية في الرياض، بدءًا من 1 يناير 2024. هذا التحول يأتي ضمن سياسة جديدة تعتمدها السعودية، حيث ستحجب فرص المشاركة في مشاريع حكومية عن الشركات الدولية التي لا تتخذ من المملكة مقرًا إقليميًا لها. يأتي هذا في إطار خطة طموحة تستهدف الرياض لجذب ما يصل إلى 480 مقرًا إقليميًا بحلول عام 2030، مما يُمثل علامة فارقة في مسيرة تنويع الاقتصاد السعودي وفتح آفاق جديدة للتعاون الدولي.
الرياض: قلب النشاط الاقتصادي الإقليمي
تتميز الرياض بموقعها المتمركز في قلب العالم العربي والإسلامي، مما يكسبها أهمية استراتيجية كنقطة محورية للتجارة والأعمال الإقليمية. تتيح هذه الوسطية للرياض أن تكون جسرًا يربط بين الأسواق المحلية والعالمية، موفرةً فرصًا واسعة للشركات والمستثمرين للتوسع والوصول إلى أسواق جديدة.
اقرأ أيضًا: أحمد فلمبان لـ”الوئام”: تسمية 2024 بـ”عام الإبل” دليل على تمسّكنا بالإرث الثقافي أمام العالم
تتميز الرياض بموقعها المتمركز في قلب العالم العربي والإسلامي، مما يكسبها أهمية استراتيجية كنقطة محورية للتجارة والأعمال الإقليمية. تتيح هذه الوسطية للرياض أن تكون جسرًا يربط بين الأسواق المحلية والعالمية، موفرةً فرصًا واسعة للشركات والمستثمرين للتوسع والوصول إلى أسواق جديدة.
على مدار السنوات الماضية، شهد الاقتصاد السعودي تطورًا ملحوظًا، وكانت الرياض في قلب هذا التحول، مستقطبة الاستثمارات وموفرة بيئة عمل متطورة ومحفزة للشركات المحلية والعالمية على حد سواء.
تفتخر الرياض ببنيتها التحتية الحديثة والمتقدمة، التي تشمل مرافق النقل العالمية، شبكات الاتصالات المتطورة، والتسهيلات في مجالات الطاقة والتكنولوجيا. هذه الموارد توفر أرضية خصبة لنمو وازدهار الأعمال، مما يؤدي إلى تحسين كفاءة العمليات التجارية وسلاسة الاتصالات.
تتمتع الرياض أيضًا بسوق عمل متنوع وغني بالكفاءات المهنية، حيث توفر قوى عاملة مؤهلة وذات خبرة عالية في مجموعة واسعة من القطاعات. هذا التنوع والتخصص يعزز من جاذبية المدينة للشركات الباحثة عن مواهب استثنائية وخبرات فريدة.
مزايا تشجع الشركات الأجنبية
تقع الرياض في وسط الشرق الأوسط، ما يمنحها موقع استراتيجي يمكن الشركات من الوصول بسهولة إلى أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هذا يجعلها مكانًا مثاليًا لإقامة مقر إقليمي يخدم هذه المناطق.
قدمت السعودية العديد من المزايا لتشجيع الشركات الأجنبية على فتح مقرات إقليمية لها في الرياض، منذ الإعلان في 2021، حيث ستكون في وضع جيد يمكنها من تقديم عروض لمشاريع تمولها الحكومة السعودية.
اقرأ أيضًا: خبراء لـ”الوئام”: “الغذاء والنفط والأسعار” ثلاثية فاقمتها حرب أوكرانيا في 2023
في هذا الشأن، وأكدت وزارة الاستثمار، أن الشركات المتعددة الجنسيات فقط والتي لديها مقرات إقليمية في المملكة ستكون مؤهلة للمناقصات والعقود التي تطرحها الجهات الحكومية.
وتتضمن المزايا، إمكانية حصول الشركة على عدد غير محدود من تأشيرات العمل وإعفائها لمدة 10 سنوات من الشرط المفروض على سائر الشركات لتخصيص نسبة محددة من وظائفها للمواطنين.
ومن بين المزايا التي قدمتها السعودية في برنامج "جذب المقرّات الإقليمية للشركات العالمية" منح إعفاءات ضريبية لمدة 30 سنة لكل شركة متعدّدة الجنسيات تقيم مقرّها الإقليمي في الرياض.
بدورها، قالت وزارة الاستثمار في بيان في ديسمبر الجاري، إن حزمة الإعفاء الضريبي تهدف "لتشجيع وتيسير إجراءات افتتاح الشركات العالمية لمقراتها الإقليمية في المملكة العربية السعودية".
وأوضحت أنّ "حزمة الإعفاء الضريبي للمقرّات الإقليمية لمدة 30 سنة تشمل نسبة صفر بالمئة لكلّ من: ضريبة الدخل على كيانات المقرّات الإقليمية، وضريبة الاستقطاع للأنشطة المعتمدة للمقرّات الإقليمية".
شركات عالمية في الرياض
منذ الإعلان عن البرنامج تسابقت الشركات العالمية للإعلان عن فتح مقرات لها في الرياض، وفي العام الأول لإطلاق البرنامج أعلنت 44 شركة عن اعتزامها افتتاح مقرات إقليمية لها في الرياض أو نقل مقراتها الإقليمية إلى الرياض.
اقرأ أيضًا: “الإحصاء”: 46.6% من العاملين مدربون على إجراءات الصحة والسلامة في العمل
وتسلمت 44 شركة عالمية تراخيص مقارها في عام 2021م لمزاولة نشاطها في السعودية، ممثلة الدفعة الأولى ضمن برنامج جذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية
وفي نوفمبر الماضي، خلال فعاليات مؤتمر "بلومبرغ للاقتصاد الجديد" الذي أقيم في سنغافورة، أعلن وزير الاستثمار المهندس خالد الفالح عن إصدار 180 ترخيصًا لشركات عالمية لنقل مقارها الإقليمية إلى الرياض، لتتخطى بذلك المستهدفات خلال العام الجاري.
وكانت وزارة الاستثمار، استهدفت الوصول إلى 160 مقرًا إقليميًا للشركات العالمية بحلول نهاية العام.
وبحسب الوزارة، مُنحت تراخيص لشركات لتقيم مقراتها الإقليمية في المملكة في قطاعات تشمل الأدوية وتكنولوجيا المعلومات والبناء، إضافة إلى أن الكثير من التراخيص الأخرى قيد المعالجة.
وفي 5 ديسمبر الجاري، قال وزير الاستثمار، إن الاستقرار الاقتصادي ووجود الكفاءات والخبرات المتميزة، بالإضافة إلى موقع المملكة الاستراتيجي، وآفاق النمو القوية أسهم في جذب أكثر من 200 شركة إلى برنامج جذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية.
ومن بين الشركات التي حصلت على تراخيص لافتتاح مقرًا إقليميًا في الرياض مجموعة "كيه بي إم جي" لخدمات الأعمال، و"نوفارتس" لصناعة الأدوية، "يونيلفر" الخاصة بمنتجات العناية الشخصية والفيتامينات والمعادن، و"بي دبليو سي" و"جونسون كونترولز" لأنظمة الحماية والأمان، و"بيبيسي كو" للأغذية والمشروبات، و"سامسونج" للإنشائات الهندسية، و"500 ستارت آب" لخدمات التسويق والترويج والتمويل الأولى للشركات الناشئة ورواد الأعمال، و"ديمنينشن داتا" لتكنولوجيا المعلومات.
الشركات التي ليس لها مقر إقليمي
وافق مجلس الوزراء في جلسة بتاريخ 26 ديسمبر الجاري، برئاسة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، على ضوابط تعاقد الجهات الحكومية مع الشركات التي ليس لها مقر إقليمي في السعودية والأطراف ذات العلاقة.
تذليل العقبات والموقع الاستراتيجي
من جانبها، رأت دكتورة هدى الملاح مدير عام المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى الاقتصادية، أن السعودية تشهد نقلة نوعية بقيادة رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث أنه مطلع على ما يحدث في العالم من تقدم ويقدر على نقل التكنولوجيا العالمية إلى المملكة.
اقرأ أيضًا: عام الإنجازات
وتابعت هدى الملاح، في حديث خاص لـ"الوئام"، أن العالم يشهد تغيرات كبيرة ما دفع السعودية إلى التوجه نحو المستجدات التي ظهرت في العالم ووضعت رؤية واضحة كي تجذب الشركات العالمية لفتح مقرات إقليمية لها في الرياض.
وأشارت مدير عام المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى الاقتصادية، إلى أن التوجه السعودي للاعتماد الاقتصادي على القطاعات الغير نفطية، كانت سببًا في توجه الرياض نحو إقناع الشركات العالمية لفتح مقرات إقليمية لها في الرياض.
وأوضحت لـ"الوئام" أن الرؤية السعودية أدركت أن المستقبل في التكنولوجيا والطاقة النظيفة وبالتالي توجهت نحو تلك المشاريع وتنوع الاقتصاد السعودي في هذا الاتجاه، ما جعلها تنافس الدول المتقدمة.
وأشارت إلى نجاح السعودية في فترة قصيرة في التقدم في مؤشرات عدة، وذلك بفضل رؤية 2030 لتنويع اقتصادها.
وأكدت أن أهم العوامل التي دفعت الشركات العاملية لافتتاح مقرات لها في الرياض، هي التسهيلات التي قدمتها المملكة لهم لتذليل العقبات أمامهم، فضلاً عن موقع السعودية الاستراتيجية المطل على البحر الأحمر والقريب من البحر المتوسط، وقربها من القارة الإفريقية ما يجعلها تربط بين 3 قارات (آسيا وأفريقيا وأوروبا).
التسهيلات الاقتصادية
بدوره، تحدث الدكتور بلال شعيب الخبير الاقتصادي لـ "الوئام" قائلاً، إن المملكة نجحت في التحول إلى قبلة صناعية واستثمارية ضخمة، وتشهد تنوعًا اقتصاديًا هائلاً، وذلك بدلاً من الاعتماد على الاقتصاد النفطي والسياحة الدينية فقط، حيث نرى الآن السياحة الترفيهية والتنوع الاقتصادي في السعودية، ما أدى لتنوع مصادر الدخل.
وأشار شعيب، إلى أن السعودية أصبحت دولة جاذبة للاستثمار ما دفع الشركات الكبرى إلى ضخ استثمارات كبيرة بها، وافتتاح مقرات إقليمية في الرياض.
ويرى الخبير الاقتصادي، أن التسهيلات التي تقدمها السعودية للمستثمرين والشركات العالمية من مختلف الجهات وسهولة الحصول على التراخيص للانتفاع بأسعار فائدة مخفضة للغاية وتوفر فرص استثمارية ضخمة دفع الشركات إلى التسابق على فتح مقرات إقليمية لهم في المملكة.
التجار والصناع يمكنهم تحقيق مكسب وعائد كبير في السعودية لأنها توفر فرص ومميزات وتوفر الأرض والمرافق الدولة الوحيدة في المنطقة العربية التي تقدم مميزات وتيسيرات وتمويل مخفض بدون فوائد للمستثمرين قبلة جذب استثمار أجنبي كبير.
وعن التحديات المحتملة التي تواجه الشركات العالمية في الرياض، يرى الباحث الاقتصادي، أن من بين التحديات هو توفير أيدي عاملة ماهرة تستطيع التعامل مع التقنيات والتكنولوجيا الحديثة التي ستنقلها هذه الشركات إلى المملكة.
ويعتقد الباحث الاقتصادي، أن المملكة بحاجة إلى أيدي عاملة من الخارج نظرًا لأن الكثافة السكانية بها لا تكفي العدد الذي تحتاجه في الصناعات المتنوعة خلال الفترة المقبلة ومع الانفتاح الذي تشهده السعودية في عدة مجالات مختلفة.
كما يعد ملف الطاقة من بين التحديات لتوفير طاقة نظيفة مستدامة بدلاً من الاعتماد على الطاقة النفطية، ويتماشى هذا مع رؤية المملكة 2030.
ويقول شعيب، إن من بين الفرص المستقبلية التي قد تنشأ من افتتاح هذه المقرات، يخلق فرص عمل للمواطنين في السعودية والمواطنين العرب وهو إنجاز يحسب للمملكة العربية السعودية.
يضيف الباحث الاقتصادي، أن البداية تمثل نواة لباقي الشركات العالمية حيث تعمل على جذب باقي الشركات إلى المملكة.