عبدالله الهميلي لـ”الوئام”: الحضور الأدبي والفلسفي بالمملكة أحد ثمار “رؤية 2030”

تستعدّ هيئة الأدب والنشر والترجمة لتنظيم الدورة الثالثة من "مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة"، خلال الفترة من 7 إلى 9 ديسمبر، تحت عنوان: "القيم العابرة للثقافات والتحديات الأخلاقية في العصر التواصلي"، وسط مشاركة واسعة من المُختصّين في الفلسفة ونظرياتها، والمهتمِّين بتطبيقاتها الحديثة من جميع أنحاء العالم.

ويسعى المؤتمر، في نسخته الثالثة عبر موضوعه الرئيسي، إلى فحص ومناقشة العلاقة المتبادلة بين القيم العابرة للثقافات والقضايا الأخلاقية المرتبطة بها، في ظل العالم التواصلي بشروطه الجديدة، واستكشاف الطّرق التي يُمكن للثقافات المختلفة أن تتفاعل وتتواصَل من خلالها، مع الحفاظ في الوقت عينه على قيمها وهوياتها الفريدة، كما يُناقش القضايا من منظور فلسفي أصيل، ويبحث في انعكاس القيم الإنسانية على طبيعة التصوّرات الفلسفية الراهنة، ويسبر أغوار الفلسفة وقدرتها على معالجة مختلف القضايا والقيم العابرة للثقافات عبر مساراتها المتعدّدة.

ويتناول المؤتمر شتّى أنواع القضايا الفلسفية من خلال 11 محورا رئيسيا، يتفرّع منها أكثر من 70 محورا ثانويا، والتي بدورها تغطي الموضوع الرئيسي للمؤتمر، ومن أبرزها: الإطار الفلسفي للقيم العابرة للثقافات: الآثار النظرية والمنهجية والعملية، والفحص الفلسفي للقيم العابرة للثقافات: المقاربات الكلاسيكية والمعاصرة، والأخلاق العابرة للثقافات في السياق التاريخي: الأخلاق المعيارية والأخلاق الماورائية (الميتافيزيقية) والأخلاق التطبيقية.

ويسعى "مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة"، الذي يُقام سنويا بمدينة الرياض منذ 2021، إلى بناء شراكات استراتيجية مع جميع الجهات المعنية من القطاعات الحكومية والخاصّة وغير الربحية، إضافةً إلى مدّ جسور راسخة فيما بينها، قائمة على أُسس فكرية ومعرفية مشتركة، وإيجاد مساحة حوارية سنوية، تُناقش من خلالها مستجدات علم الفلسفة وتطبيقاته الحديثة، وإتاحة محتوى فلسفي متعدّد الأبعاد والآفاق، موجَّه لجميع الفئات المجتمعية، كما يهدف كذلك إلى بناء جسرٍ تواصليّ بين المؤسّسات الناشطة بمجال الفلسفة من مختلف دول العالم، ودفع عجلة البحث العلمي والأكاديمي في هذا المجال الإبداعي.

جهود المملكة.. وتنمية الفكر

يقول عبدالله الهميلي، الباحث في الفلسفة وعضو مؤسّس في جمعية الفلسفة، إن "مسؤولي المملكة يقودون تطوّرا في كل مناحي الحياة، ومن بينها الثقافة والفلسفة، ما يمهّد الطريق أمام الأجيال الناشئة ويدفعها لحب التفكير وإعمال العقل والقراءة، كما أن الحضور الثقافي والأدبي والفلسفي والفني والجمالي يأتي بالتّأكيد انعكاسا وضمن تجليات "رؤية 2030" وما بعدها، وهذا التقدّم المتسارع على جميع الأصعدة في السعودية يجعل التجليات الثقافية والفلسفية أحد مظاهر هذا التقدّم والتطوّر.

ويُضيف عبدالله الهميلي، في حديث خاص لموقع "الوئام"، أن "كل الجهود التي تُبذل من قِبل وزارة التعليم من خلال وضع منهج التفكير الناقد في مراحل التعليم المختلفة من المرحلة المتوسطة حتى الثانوية بما يحويه من سُبل التفكير الفلسفي المتنوّع، وبما تبذله وزارة الثقافة ممثلةً في هيئة الأدب والنشر والترجمة، عبر الحقائب المختلفة والدورات الفلسفية التي تقيمها في مختلف مناطق المملكة المختلفة من خلال التدريب على قراءة النص الفلسفي وحتى التشجيع على نشر النصوص الفلسفية عبر القنوات المختلفة وإحياء المناشط والفعاليات الفلسفية، وما تقوم به جمعية الفلسفة في أنشطتها المختلفة عبر ورش (الفيلسوف الصغير) وغيرها من النشاطات".

ويوضّح الهميلي أن "المجاميع الفلسفية في مختلف مناطق المملكة (حلقة الرياض الفلسفية - الحلقة المعرفية - إيوان الفلسفة- ملتقى السلام الفلسفي)، تساعد في تنمية الوعي والتفكير الفلسفي، وأيضا المعاهد المتخصصة كمعهد بصيرة في جدة، ومعهد يعقلون في المنطقة الشرقية، والمنصات الفلسفية كمنصة معنى ومنصة حكمة، كل ذلك وأكثر، بمثابة تمهيد الطريق أمام النشء لدفعه لرحاب التفكير الفلسفي والإبداع، وهو جهد ملموس تقوده المملكة، بما يتناسب مع تطلعات المجتمع السعودي باتجاه الحاضر والمستقبل ونحن على الطريق الصحيح".

الأخلاق ونشر الفضيلة

حول الحفاظ على الأخلاق وتشجيع نشر الفضيلة، يرى عبدالله الهميلي، أن "الأخلاق مسار ومُبتغى وتتويج لأي جهد فلسفي، وأمام المد التقني المتسارع عبر قنوات "الميديا" والمنصّات الإلكترونية، هناك ضرورة أخلاقية ملحّة لأن يحاضر الفلسفي عبر الوسائط المختلفة، صحيح أن السوشيال ميديا كانت قنوات للتواصُل الإنساني في بداياتها، لكنها تطوّرت وتقدّمت وأصبحت منتجةً للمعرفة، وبالتالي من المهم أن يكون للفلسفي دور أخلاقي كبير نتطلّع له، رغم أن العالم الرقمي، لنكون أكثر تحديدا "الكوجيتو الرقمي" الذي يحمل معه مظهره الفينومينولوجي الخاص، ويظهر ضمن معطيات الزمان والمكان الافتراضيين، كما أن العالم التقني أو الرقمي ليس معطى أنه عالم الشيء في ذاته الفيزيائي الموجود في نسقه الخاص، ويحمل في داخله كائنات رقمية أو كينونات بين متوازيين، عالم الإنسان وتأمّلاته الفلسفية في الحياة الواقعية وتجليات الكائن الرقمي وعالمه النوميني وفلسفته".

ويتمنّى الهميلي أن يكون للفلسفي دور أكبر متظافر مع الحقول الأخرى المختلفة المعنية بالشأن الإنساني في حضور الحس الأخلاقي، سواءً في التعامل الإنساني العام أو في طريقة التعامُل مع التقنية.

مؤتمرات فلسفية عالمية

عن أهمية المؤتمرات الدولية في مجال الفلسفة التي تعقد بالمملكة، يؤكّد الباحث عبدالله الهميلي أن "المملكة أقامت المؤتمر العالمي للفلسفة في الرياض في مكتبة الملك الفهد الوطنية والذي تقيمه وزارة الثقافة، ممثلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة، وهو فريد من نوعه على مستوى الوطن العربي وبرؤية عالمية عبر استضافة فلاسفة من مختلف أنحاء العالم، كان الأول في ٢٠٢١م تحت عنوان رئيسي "اللامتوقع"، تتفرّع عنه العديد من المحاور الفرعية والاشتغالات المختلفة".

أما الآخر، فيقول الهميلي: "كان في 2022، تحت عنوان "الفضاء والاستكشاف"، وهذه السنة سيكون تحت عنوان "القيم العابرة للثقافات والتحديات الأخلاقية"، ويبدأ في 7 ديسمبر الجاري، ولأن الفلسفة ظاهرة كونية معنية بمختلف التحديات التي تواجه الإنسان المعاصر، وفي هذا المؤتمر تلتقي العقول المختلفة لتطرح وجهات نظرها الفلسفية وأيضا تحفّز التفكير الفلسفي وتحقّق التواصل الثقافي والتفلسف الكوني".