أقرب صديق

الصداقة جزء من العمل السياسي في معناه الواسع والعام، منذ قيام الأمم المتحدة ظهر حرص التنظيم الدولي على مفهوم الصداقة بين الدول والشعوب والمجتمعات كعلاقة بديلة للتناحر، الصراع الذي أقيمت التنظيمات الدولية نظرياً للحد منه.

ميثاق الأمم المتحدة يحث على علاقات الصداقة والتعاون بين دول المنظومة الدولية وهناك فصل في الميثاق يحث ويشجع الدول على هذه المسارات مع تفصيلات أشمل، وأعمق. وفي علاقات الدول هناك الدول الحليفة والدول الشقيقة، والأخرى الصديقة.

مفهوم الصداقة في العلاقات الدولية شهد طفرة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي خاصة في فترة الحرب الباردة حيث ركزت السياسة الروسية في مواجهة السياسة الأمريكية على نشر مفهوم الصداقة السياسية مع دول العالم، وخاصة مع أطراف المنظومة الاشتراكية، واصبحت كلمة "دروجبا" بالروسية وتعني الصداقة تحتل مكان مهم في القاموس السياسي الروسي.

يذكر أن الاتحاد السوفيتي السابق أنشأ في مطلع ستينيات القرن الماضي جامعة الصداقة الحكومية في موسكو وكان هدفها استقطاب الكفاءات من العالم الثالث وتأطيرهم باحتمال أن يصبحوا قادة أو رموزاً سياسية في بلدانهم فيسهل التعامل معهم حيث يفهمون الثقافة، واللغة الروسية وهذا مدخل كبير، ومهم في تلك الحقبة.

يعاب على مفهوم الصداقة السياسية في النموذج الروسي أنه ذو اتجاه واحد في تحقيق المنفعة للجانب الروسي بالدرجة الأولى، وهذا ما أثبتته الأيام والتجارب خاصة في الوطن العربي لدول ارتبطت نظرياً بالمعسكر السوفيتي ولم تجن الكثير من وراء ذلك الارتباط. ومن الأمثلة الحية على ذلك مصر جمال عبد الناصر، وجماهيرية القذافي.

في العام ٢٠٢٣ يعود مفهوم الصداقة لكن هذه المرة في القاموس السياسي، والعسكري الأمريكي وعلى لسان وزير الدفاع الأمريكي السيد لويد أوستن الذي قال في مطلع ديسمبر الحالي: إن إسرائيل ستبقي أقرب صديق إلى أمريكا في هذا العالم، وأضاف السيد أوستن أن بلاده تقدم المشورة بما تمليه الصداقة الحميمة، والعميقة بين الجانبين في الجوانب السياسية، والعسكرية لإسرائيل، وفي لفتة ودبلوماسية عالية اضاف السيد أوستن أنه مع ذلك فإن القرار النهائي يبقى إسرائيلياً خالصاً، بمعنى أن أمريكا لا تفرض على إسرائيل أي سلوك ، أو توجه معين.

تصريحات الوزير الأمريكي لاقت روجاً كونها تأتي بعد عودة القتال في غزة من قبل قوات الدفاع الإسرائيلي للفلسطينيين في غزة.

الأمر الذي فسره أكثر من مراقب بأنه يعني أن الجانب الأمريكي على علم بعودة العنف من جديد في غزة، وهو يتفهم ضرورة، وأهمية ذلك للجانب الإسرائيلي، يذكر أن الوزير أكد في تصريحاته بشأن الصداقة مع إسرائيل أن العسكريين الأمريكان نصحوا إسرائيل أن عليها تحقق نصر استراتيجي لا تكتيكي وفسر موضوع النصر الاستراتيجي بأنه ذلك البعيد عن التعرض للمدنيين الفلسطينيين في غزة، لكن إسرائيل بدت مستعجلة على تحقيق نصر تكتيكي حتى وإن راح ضحيته مدنيين فلسطينيين المهم أن تحقق شيئ من الوعود التي سبق وأعلنتها وبأي ثمن.