مستشار سابق بوزار الخارجية، كاتب وباحث في العلاقات الدولية. كاتب رأي في الصحافة الوطنية منذ 2012.
كل شيء غير طبيعي في هذه الحياة إذا لم تتم معالجته في الوقت المناسب يصبح سرطاناً يصعب القضاء عليه.
في حياة الدول وسيادتها تنشأ قوى موازية ومكملة للدولة وعملها وواجباتها، وتنشأ أيضاً أجساماً موازية للدولة، إذا لم توضع في إطارها الصحيح تسحب من الدولة صلاحيات كبيرة مع مرور الوقت وفي مراحل متقدمة تصبح دولة داخل دولة، ويزداد خطر هذه الفواعل أو الأجسام ما دون الدولة في حالتين رئيستين؛ الحالة الأولى عندما تتمدد بشكل مبالغ فيه وتشارك الدولة في تقديم، أو القيام بأدوار معينة خاصة الأدوار السيادية، والحالة الثانية عندما تكون هذه الفواعل ترتبط بجهات أو دول أجنبية، بعبارة أخرى عندما تتلقى توجهاتها بالحركة من الخارج، وعندما تمارس أدواراً في الداخل تصب في تحقيق مصالح استراتيجية للخارج الذي يديرها، ويدعمها.
هذه الفواعل ما دون الدولة تأخذ أشكالاً ومسميات في منطقتنا العربية منها الأحزاب و الجماعات والعصائب والمليشيات.
الحالة التي يمكن أن توصف بالسميّة وربما السميّة العالية من هذه الميليشيات والفواعل، هي تلك التي تسيطر الفواعل ما دون الدولة على حركة الدول نفسها، بعبارة أخرى هي تلك الحالة التي تكون فيها هذه الفواعل دولة داخل الدول، ويزداد الوضع خطورة عندما تسلّم الدولة الرسمية بأن هذه الفواعل جزء من الدولة دون تحديد هل هو جزء أصيل أم ثانوي.
وهناك حالة خاصة مزعجة ومربكة للدولة الرسمية تسببها هذه الفواعل وهي عندما تصبح علاقة الدولة محل توتر ونزاع مع الدول الخارجية أو المجاورة بسبب الأفعال التي تقوم بها هذه الفواعل.
هذه الحالة تشكل مأزقاً حاداً للدولة ويمكننا تفحص حدته وخطورته بمثال تعيشه دولة عربية جارة نشأت فيها قوة عسكرية موازية للجيش النظامي ومع مرور الوقت اكتسبت هذه القوة صفة الرسمية وأنها جيش شعبي ذو صبغة خاصة تبعاً لظروف ذلك البلد. الإشكالية بدأت عندما أصبحت قوة نظامية تابعة لتحالف دولي موقع اتفاقيات رسمية من البلد العربي، هدفاً للميليشيات الشعبية، وفي المقابل تلقت الميليشيات الشبه رسمية رداً مسلحاً على العدوان، وهنا كان على الدولة بهيكلها الرسمي وبالقيادة السياسة المتمركزة في شخص رئيس الوزراء أن تتخذ موقفاً من هذه الحالة الصراعية بين الطرفين، وفي رأينا أن الهيكل الرسمي للدولة ولأنه أصبح يدار بالقوات الميليشاوية أبدى رفضاً لرد القوات الدولية الحليفة على قوات الميليشيا، الغريب أن الرد جاء عالي النبرة وتضمن للمرة الأولى في علاقة الدولة الرسمية بقوات التحالف شيئاً عن ضرورة البحث عن إنهاء دور قوات التحالف ووجودها على أراضي الدولة العربية، وهنا تنبت معضلة أخرى وهي أن قوة التحالف الدولي سمحت قبل عقود بوجود قوات الدولة الإقليمية التي هي عملياً مسؤولة عن توجيه وإدارات الميليشيات. وكأن الموضوع يأتي تطبيقاً لمقولة أدخلته بيده فأخرجني برجلي.
• د. سالم اليامي- كاتب سعودي