شاعر وكاتب سعودي. عمل صحفياً ومحرراً في عدة مؤسسات إعلامية. صدر له ديوان “موسيقى”.
في المسرحية الرائعة والمهمة “ظلام في الظهيرة” ينصت “روباشوف” أحد رموز الحزب الشيوعي مع عاشقته “لوشنكو” للسوناتا العاطفية لبيتهوفن.. لحظات سكون، يبتسم روباشوف سارحاً ببصره بعيداً، ويفكر:
”هذه الموسيقى خطرة”!
يتصاعد صوت الموسيقى بمعزوفة بيتهوفن، يقول روباشوف: “عندما تستمعين إلى هذه الموسيقى ويتبين لك أن البشر بإمكانهم أن يخلقوا مثل هذا الجمال فإنك تريدين أن تمسحي بيدك على رؤوسهم إعجاباً، وما أسوأ ذلك! سينقضون عليها ويقضمونها بأسنانهم!!”.
هذا ما يفعله الفن الحقيقي بالإنسان؛ يغمره بالجمال، يروض الشرّ فيه، يجعله أكثر وعياً بالآخر وتعاطفاً معه وتفهماً ومحبةً له؛ وهذا ما يخشاه المختلون والمتطرفون “وكل متطرفٍ مختل”.
هم يسعون إلى إيجاد مجتمعات أقل تسامحاً ووعياً وأكثر همجيةً وتقبلاً للأوهام والشعارات الفارغة ولذا يرفضون الفن ويحاولون الحد من قدرة المبدعين على التأثير.
إن المجتمعات غير القادرة على تلقي الفنون -لأي سبب- مجتمعاتٌ متحجرة وجاهلة؛ هي متحجرة لأن الإنسان العاجز عن التأثر بالفنون ليس بإمكانه التعامل مع الحياة -بكل ما فيها- إلا بصفتها مادة وأداة، بما في ذلك البشر. وهي مجتمعات جاهلة؛ إذ لا قيمة حقيقية للثقافة مالم تكن مرحبة بالفن ومدركة لأهميته، فهو وحده من يستطيع -من خلال تأصله في منتجيها- أن يمنحها قدرةً معتبرة على التواصل والتأثير وكذلك أن يحد من انحرافها نحو العدمية.