تركي حمدان
شاعر وكاتب سعودي. عمل صحفياً ومحرراً في عدة مؤسسات إعلامية. صدر له ديوان “موسيقى”.
استمعتُ إلى حوار مع أحد “المثقفين” طرح فيه رأياً ثم علق مفتخراً : “وهذا رأيي وقد أعلنته منذ عقود”!
بغض النظر عن صواب رأيه أو خطأه، علينا أن نحذر الخلط بين الرأي وهو بطبيعته عرضة للتغيير والقيم التي يَحرُمُ المساس بها.
إن قيمنا العليا كالصدق والوفاء بالعهد والعدل والرحمة والمساواة وولائنا لوطننا وقادتنا ليست من الأمور التي توضع في مهب الآراء، بل من الخطورة بمكان القبول بأن تكون عرضةً للنقاش.
أما في شؤون الفكر بكافة تفرعاتها مصادراً ونتاجاً فالأمر على النقيض، إذ أن ثرائها وإثرائها يكمنان في كونها ساحةً مفتوحةً للقبول والرفض، قابلةً للجديد من الآراء متقبلةً للنقد، ولذا -وهنا أعود لمسألة ثبات الرأي- أجد أن الآراء كلما ازدادت قِدماً، ازدادت الشكوك حول صحتها. فاتساع التجربة وتوافر معلوماتٍ أكثر إضافةً إلى امتداد الزمن المتاح للتمعن كل هذا يجعل من ثبات الرأي رغم مرور الزمن ليس مبعث فخرٍ بل مبعث قلق!
وقد نجد مثقفاً “وهو أسوأ من الأول” يؤمن بأن رأيه لا يحتمل الخطأ، ومثل هذا وإن ساق التبريرات وحشد الأدلة -وهو أمر حسن في حدوده- لإثبات صواب رأيه، لا يعدو كونه ضحية من ضحايا “الغرور العقلي”.
إن العقل وهو مناط الحكم “في غير الشرع” تصويباً وترجيحاً تحسيناً وتقبيحاً، ليس في مأمنٍ من زللٍ لا يكون ناتجاً عن قصورٍ في المعرفة إنما عن غياب فضائل إن لم نتصف بها فقد وقعنا وأوقعنا عقولنا في هاوية يتساوى فيها المثقف الموسوعي والجاهل الوقح.
المثقف الحقيقي هو من يملك يقيناً بنسبية الحقيقة للفرد، وفضولاً -دائماً- للمعرفة، وفكراً تواضع فأنصفَ؛ أما من غابت عنه هذه الفضائل الفكرية أو إحداها فهو وإن بلغ من المعرفة ما بلغ مثقفٌ زائف ضرره أكثر من نفعه.