د. ناهد باشطح
إعلامية ومدربة في التشافي الذاتي، بدأت الصحافة عام 1985 وحصلت على ثلاث جوائز دولية في الإعلام
” هناك تناقض مستمر بين ما هو جيد وما هو صحيح ، لكنك تعيش مع القرارات التي تتخذها في حياتك”
– راندي ترافس –
كمْ مرة سألت نفسك وأنت منزعج هل هذا ما أؤمن به!!، وهل يتوافق ما أقوم به مع معتقدي عن ذات الموضوع؟
ربما يحدث ذلك قليلا وربما كثيرا، هذا يعود إلى قدرتك على تغيير معتقداتك بما يناسب ما أنت تفعله، إنما لا ينجو إنسان ما من هذه الحالة، والأمثلة حولك كثيرة ومتنوعة، فهناك المدخن الذي يدخن وهو مقتنع بأن الدخان يسبب الأمراض الخطيرة، وهناك الموظف الذي يعمل في مطعم للوجبات السريعة وهو مؤمن بأنها ضد الغذاء الصحي، وهناك الزوج المؤمن بالتعاون في ممارسة الأعمال المنزلية لكنه لا يساعد زوجته، وهناك الطالب الذي هو مؤمن بخطورة الغش ولكنه يغش أثناء الاختبارات.
كل هؤلاء لا يمكنهم أن يتصرفوا بطريقة تتوافق مع معتقداتهم، ولا بد أحيانا من اللجوء إلى التنازل الذي يسمى في علم النفس الاجتماعي “التنافر المعرفي” “Cognitive dissonance” وهي نظرية ولدت عام 1957 م على يد مؤسسها “ليون فستنغر” ومضمونها أن هناك فكرتين يمكن أن تكونا متناغمتين أو متنافرتين، تتدفق الأفكار المتناغمة بشكل منطقي مع بعضها البعض، أما الأفكار المتنافرة فتتعارض مع بعضها البعض، وهنا يحدث التنافر المعرفي عندما يحمل الشخص معرفتين أو فكرتين مرتبطتين ولكن متناقضتين.
أريد أن أحدثك عن الشعور الذي بتلبسك عندما تقع في هذه الحالة، لأننا كثيرا ما نستسلم لها، نحسبها شيئا اعتياديا نمارسه ضمن تناقضاتنا كبشر في هذه التجربة الحياتية، بينما علينا ألا نستسلم لهذا الصراع، بل نسعى لحله.
أمام هذا التنافر المعرفي قد تصاب بالتوتر وتلجأ للحيل الدفاعية التي تريحك مثل: تجنب الأشخاص أو المواقف التي تذكرك بهذا الصراع، أو أن تستغرق في مهام مستهلكة.
وقد تجود نفسك تقلل من قيمة الفكرة أو الأشخاص المرتبطين بها، وقد تقنع نفسك بأن سلوكك هذا نادر وتبرر حدوثه بأي حجة، أي تبرر سلوكك تماما كما تفعل الإعلانات لأي من السلع الضارة صحيا فكثير من شركات المشروبات الغازية تقرن شرب الفرد لها بالانتعاش.
فعلى الرغم من أن الإنسان يعرف أن المشروبات الغازية مضرة بالصحة إلا أنه يتناولها لأنها ستجلب له الانتعاش.
إن حالة التنافر المعرفي يمكن أن تكون ذات فائدة إذا ما جعلها الإنسان دافعة للتغيير، إما تغيير السلوك أو تغيير المعتقد بحيث يتسقان مع بعضهما البعض، إذا لم تصدف كلامي تأمل في الإعلانات للسلع الاستهلاكية وانظر أي حجة بها يغرونك لاستهلاكها دون أن تشعر بتأنيب الضمير.