فلسفة التاريخ

على عكس التاريخانية (فلسفة التاريخ) التي تملك القدرة على إنفاذ العقل البشري إلى شاسع العبر وواسع الحكم لإغناء المعارف وإثراء الثقافة وتقويم ماأعوج فهمه فمال بناءه ومعالجة ماقد يعلق بالعقل الجمعي من أسقام وتجاوز ماقد يواجه من عوائق وعقبات، بغية الوصول إلى أقصى رتب الإزدهار وأعلى منازل النهضة.

يأتي التاريخ والتأريخ المتجردين من فلسفته ليحولا أنفس ماورث الإنسان عن أسلافه من الأمم التي سبقت إلى مادة مصمتة غاية ماتفعل هو تأطير العقول وتضييق أفقها ومن ثم قولبتها وحصرها في حيز الزهو والفخر والتفاضل في الأنساب وإن إرتديا عباءة التوثيق وكساء الحفاظ على الهوية.

التاريخانية التي تُعنى بإستخلاص العبر وإستدلال الحكم من خلال دراسة ماورثه الإنسان عمن سبقوه من الملل والنحل علم فلسفي أراد الله لذوي الألباب أن يطرقوه فجاء كتابه ‫ ﷻ‬ زاخراً بالقصص داعياً إلى تأملها وإعمال العقل في أحداثها ومآلاتها فكان المسلمون أكثر المعنيين بذلك.

ولعل من المفارقات التي تثير الدهشة هي مناهضة المسلمين للفلسفة بما في ذلك فلسفة التاريخ في بعض أكثر الحقب الزمنية تديناً وهم المأمورين بالتفكر وإعمال العقل ليكرروا ذات الخطأ الذي وقع فيه المسيحيون في العصور الوسطى ومن ثم إهمالهم أي المسلمون للتاريخ العمراني والإجتماعي فيما بعد وتركيزهم على التاريخ السياسي في الحقب التي يمكن إعتبارها تنويريةً على مستوى العلوم الكلية.

وربما كان ذلك سبباً في أننا لازلنا عالقين في شباك التاريخ.

وعلى خلاف ذلك هي أهمية فلسفة التاريخ التي مرت بأطوار ومراحل نماء وتطور حتى أصبحت على ماهي عليه اليوم من أهمية يوليها إياها ذوو السياسة وعلماء الإجتماع والتاريخ على حد سواء.

بيد أن أهميتها تكمن في سيرها نحو تحقيق ذلك الهدف الإنساني النبيل الذي تقدم ذكره فإن هي جنحت عنه بهتت وأمست بلا قيمة وإن بُهرت بإسم لامع لفيلسوف حاذق.

كما هي الفلسفة الهيغلية للألماني هيغل الذي ذهبت به عنصريته إلى إغفال الحديث عن الحضارة الإسلامية ودورها في التطور البشري والتقدم الذي ينعم به إنسان اليوم فوقع في فخ التعصب العرقي مما أفقد نظرياته الموضوعية والمصداقية اللتين تلزمان الفلسفة ناهيك عن تفضيله للعرق الجرماني وإقصائه للأخر وهو ماأحدث خللاً في بنية فلسفته للتاريخ وبالتالي في بنيوية فلسفته العامة، وهذا بطبيعة الحال ينعكس على أثرها وقيمتها.

كما أنه يمكن من خلالها ( أي التاريخانية) تشكيل معيار دقيق لقياس التفاضل الثقافي والعلمي بين الأمم، وماإلى هنالك من فوائد جعلت حصر جميل أثرها، الممتد على صعيد العمران والإنسان أمراً بالغ الصعوبة، كما عنى إبن خلدون حين تحدث عن ذلك في مقدمته.

وإلى جانب مأتٍ عدة تبرز الحاجة إلى تاريخانية تراثنا والتعاطي معه من منظور فلسفي لنظفر بنفيس عبره وثمين حكمه وأعني هنا تاريخ العمران والإنسان.

[email protected]