المبادرات الذاتية

يقال بأن تقدم أي مجتمع من المجتمعات يقاس بعدد المبادرات الذاتية في ذلك المجتمع؛ ويقصد بالمبادرات الذاتية عموم الأفكار والأعمال التي يتبناها ويطلقها أفراد المجتمع من تلقاء أنفسهم؛ رغبةً في الوصول بمجتمعاتهم إلى مستويات متقدمة في مختلف المجالات، وهو ما يعني أن أفراد ذلك المجتمع يتمتعون بدرجة عالية من المسؤولية وقدر عالي من التطور.

وليس ضرورياً أن يكونوا من أصحاب الشهادات العلمية حتى يتمكنون من إطلاق مبادراتهم، فالتعليم لم يكن متاحاً بصوره الحالية في السابق ورغم ذلك شاهدنا العديد من المبادرات التاريخية، وعلى النقيض تماماً نشاهد حالياً الكثير ممن يحملون الشهادات العليا في مختلف التخصصات لكنهم وبالٌ على مجتمعاتهم بسوء تصرفاتهم ورداءة أفكارهم.

وربما مر على الكثير منكم بعض المبادرات التي أطلقتها جهات حكومية وتم تبنيها من قبل بعض الشخصيات الشهيرة في المجتمع، أو تم الاتفاق بين الطرفين على القيام تنفيذها، وهو أمر مختلف تماماً عما أتحدث عنه في هذا المقال؛ لأن المبادرات التي يقاس بها تقدم المجتمع هي ما يصدر عن أفراد المجتمع بمحض إرادتهم؛ حيث تدل دلالةً واضحة على شعورهم بالمسؤولية تجاه مجتمعاتهم وبلدانهم ورغبتهم في الوصول بها إلى مستويات متقدمة.

وقد لفت انتباهي في الآونة الأخيرة بعض المبادرات البسيطة التي تبناها أشخاصٌ بسطاء بعيداً عن التظاهر في مواقع التواصل الاجتماعي أو البحث عن مردود مالي كما يفعله بعض الانتهازيين، ومن تلك المبادرات مبادرة المواطن الذي قام بشراء البذور وتوزيعها في أراض شاسعة أثناء موسم الأمطار بهدف زيادة الغطاء النباتي ونمو الأشجار التي عانت من خطر التصحر وسطوة الاحتطاب الجائر، ومبادرة أخرى قام بها مواطن آخر عن طريق شراء بعض الأنواع النادرة من الصقور وإطلاقها في مواقع مختلفة حتى تتمكن من التكاثر؛ الأمر الذي سيؤدي حتماً للمحافظة على تلك السلالات النادرة من الطيور وإنقاذها من خطر الانقراض.

وهناك العديد من المبادرات الشخصية التي قدمها مواطنون آخرون والتي تهدف في مجملها إلى الارتقاء بالمجتمعات التي يعيشون بها، وقد تجد أن العامل الرئيس وراء تلك المبادرات هو الأفراد الذين يحملون هماً معيناً ومسؤولية ذاتية كبيرة، ويرغبون في توعية الناس بذلك الهم وتلك المسؤولية من خلال تكثيف الجهود وبلورتها حتى تحقق النتيجة المطلوبة، كأن يطلق أحدهم مبادرةً لدعم الأسر المحتاجة أو لسداد ديون السجناء أو بتقديم دورات مجانية في تخصص معين.

أو حملةً منظمةً لنظافة المدن والتوعية بخطر النفايات وخطورة التهاون في رميها في الشوارع، وكذلك ما تسببه النفايات من أضرار بالغة للحيوانات في المناطق البرية والبحرية، وهؤلاء الأشخاص يتميزون عن غيرهم ممن يتسببون في تخلف المجتمع، وعرقلة عملية التطور والنماء التي تنشدها الدول ويخطط لها المسؤولين.

فتجدهم يتنصلون من واجباتهم ويفضلون عدم المشاركة والبعد عن تحمل الأعباء والاعتذار بعدم قدرتهم، أو عدم أهليتهم أو النظر إلى تلك المبادرات على أنها تكليف بما لا ليس تكليف، أو التشكيك في أهدافها ومضمونها، والنظر إليها من زاوية البحث عن الوجاهة والإطراء.