إيران والتغيير القادم «1/2»

منذ بداية العام 2018 وإيران تواجه أوضاع اقتصادية مزرية وغير مسبوقة في تأريخ نظام الملالي المستمر منذ اكثر من 40 عاماً. فلاول مره تصل العملة الإيرانية لمستويات متدنية جداً غير مسبوقة في تاريخها، وزاد الطين بلةً الانسحاب الأمريكي في مايو 2018 من الاتفاق النووي مما دفع حكومة الرئيس حسن روحاني لإقالة رئيس البنك المركزي الإيراني ولي الله سيف في نهاية يوليو 2018.

ثم تمت إقالة معاون المدير العام لدائرة العملات الأجنبية في البنك المركزي ايضاً بعدها باسابيع "المدعو/ احمد عراقجي"، وهو ابن شقيق كبير المفاوضين النووين الإيرانية عباس عراقجي.

وعباس هذا يشغل منصب مساعد وزير الخارجية الإيراني للشئون السياسية والدولية ويشكل دينمو وزارة الخارجية الإيرانية الحقيقي ودخل الخارجية الإيرانية منذ العام 1989.

الولايات المتحدة المتحدة الامريكية من جهتها، لاسيما وزارة الخزانة الامريكية تزيد العقوبات الاقتصادية على إيران خلال ذات الفترة، وبوتيرة سريعة لتطال اقطاب النظام و أهم المؤسسات الاقتصادية الداعمة له محلياً وخارجياً، ولعل اخر من طالته تلك العقوبات وزير الخارجية جواد ظريف الذي لم ينفك يدعو لإنقاذ إيران من العقوبات الامريكية.

لكنه نسى او تناسى انه قبل ان يشغل منصبه الحالي قضي اغلب سنوات عمره في الدراسة في أمريكا وانه مقيم بشكل شبه دائم فيها ولا تزال اسرته تقيم هناك. وما نشر مؤخراً في فيديو تسجيلي عن ابنه ومغامراته في الخمور وبين النساء يعكس الحياة الترف الحقيقية التي يحياها أبناء المسئولين الإيرانيين الذين يدعون للتدين والتقشف!

في حين ان الوضع الداخلي في ما يسمى جغرافية إيران يسير بسرعة الصاروخ نحو الهاوية، فسابقاً كانت أبناء الشعوب المحتلة كالعرب والكرد والبلوش وغيرهم كثير من القوميات والأقليات يعانون شظف العيش، اما الان فالفقر المدقع يطال الجميع بمن فيهم الفرس انفسهم قبل غيرهم، واصبح الخروج من إيران حلم كل شاباً وشابةً بعد ازدياد البطالة لمعدلات كارثية، وتدني الرواتب وانقطاعها لشهور طويلة احياناً.

وارتفاع تكاليف المعيشة لارقام قياسية، وتدهور البنوك الإيرانية وافلاس بعضها او لنقل لنهب أموال المودعين في اكثر من بنك وهروب اللصوص للخارج بسلام كما جرت العادة رغم كون السرقات مليارية منذ عهد الرئيس احمدي نجاد.

كل هذا واكثر يحدث في دولة تحاول ان تخيف الخليجيين الذين يعرفون جيداً خزعبلات نظام الملالي الذي صعد على ظهور الكثير من الثوريين سواء الفرس او أبناء القوميات ثم فتك بالكثير منهم بعد انبسط سيطرته القوية على الدولة. ولعل هروب أبو الحسن بني صدر اول رئيس للجمهورية ومسعود رجوي رئيس منظمة مجاهدين خلق الراحل.

واغتيال الكثير من المعممين من أمثال كاظم شريعتمداري الذي انقذ رقبة الخميني من حبل المشنقة ابان عهد الشاه محمد بهلوي، وهو استاذه والذي كان احد اكبر ثلاث مراجع في إيران في السبعينات من القرن الماضي! وضرب وسجن وجرى تحجيم حسين منتظري الذي شغل منصب نائب القائد "للخميني" بعد الثورة مباشرة لقبيل وفاة الخميني حيث صعد الثنائي خامنئي بلعبة ودهاء صاحبه رفسنجاني.

لكن النار ان لم تجد ما تأكله فأنها تأكل نفسها. حيث تم اغتيال رفسنجاني بداية عام 2018 على يد زبانية صاحبه الخامنئي! ورفسنجاني هذا كان براغماتياً، وكان افضل السيئين بالنسبة للخليجيين وكان التعامل معه بحذر ممكناً. مما دفع ابنته فايزه رفسنجاني لفضح النظام ولو بشكل متواضع.

حيث اشارت لاغتيال والدها الذي جمع ثروة ملياريه واصبح امبراطوراً غير متوج. وأشارت أيضاً لكذبة حياة الخميني المتواضعة! فهو كان يظهر انه مقيم في بيت متواضع جداً في طهران لكنه في حقيقة الامر يعيش في قصر بحديقة كبيرة ملاصقة لهذا البيت المتواضع!

هذا نذر يسير من فيض، فجرائم نظام الملالي واكاذيبهم لا تنتهي، لاسيما الاغتيالات المرعبة للالاف من المعارضين للنظام اكبر من تخبأ حقيقتها. فابن حسين منتظري كشف تسجيل صوتي لوالده حين كانوالده في منصبه الرسمي "نائب القائد" متحدثاً مع إبراهيم رئيسي "الرئيس الحالي للسلطة القضائية"!!! عن حرمة اغتيال المقبوض عليهم في شهر محرم الحرام!

لكن بطبيعة الحال لم يعتد برأية وتمت تصفية ثلاثين الف سجين او اكثر خلال شهرين فقط!!! قبيل انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في عام 1988.

فلقد خشى اقطاب النظام من سقوط نظامهم على يد الجيش العراقي الباسل حينها وارادوا التخلص من كل من يشكل لهم خطراً حسب تفسيرهم للامور. بل ان الخميني كبيرهم حينها كان يقول: "ان الحرب نعمة"! وهي بلا شك نعمة له ولباقي مجرمين النظام حيث استطاعوا الهاء الشعوب بخطر الحرب العراقية الإيرانية لتسنح لهم الفرصة الذهبية في تصفية الساحة الداخلية من أي معارض اياً كانت درجة المعارضة له.

لكن في حقيقة الواقع، ان تلك الحرب كانت نقمة كبيرة على سائر الشعوب في جغرافية إيران بلا استثناء! لانه تكتيك نظام الملالي عسكرياً كان يعتمد على تفوقهم العددي بشكل اساسي، فكانوا يلقون بالشباب بلا تدريب جيد إلى الهلاك المحتم بدفعهم بامواج بشرية ضخمة تصل لربع مليون عسكري في بعض المعارك او اكثر بلا خطط واضحة مما دفع خبراء الجيش العراقي لاستغلال هذا الغباء بالاستعداد لهم جيداً دفاعياً وابادة اكبر عدد ممكن من المهاجمين.

لذلك أتوقع تغييراً مهماً قادماً من داخل إيران سواء بانهيار النظام كلياً او على الأقل جزئياً باستبدال وجوه المتعنته والاتيان بمن هم اقل تطرفاً من رحم النظام نفسه او حتى تقسيم إيران! وهذا يعتمد بشكل رئيسي على عدة عوامل خارجية وداخلية من قبيل:
1- رأي الغرب في ما سوف تؤل لهم السلطة ومدى موافقة الغرب على الحكام الجدد، وبالتالي تأييد الغرب ودعمهم لاستقرار الحكام الجدد او تقويض الثورة في مهدها.

2- ظهور شرارة داخلية مثل قضية التونسي محمد البو عزيزي في احدى المدن الكبرى كطهران او أصفهان او شيراز او مشهد لتشعل النار وتقضي على الملالي بشكل كامل ونهائي. فالشعوب كافة تواقة للقضاء عليهم بأسرع وقت ممكن.

3- تحرك الحرس الثوري الإيراني او الجيش او هاتين المؤسستين العسكريتين معاً للانقلاب على النظام الحالي.

وبناء على ما تقدم، على الدول الخليجية وهي الأكثر تأثراً اياً يكن مما يحصل في إيران، فأنها يجب ان تكون على استعداد تام لما قد يحصل فجأة وبدون مقدمات من خلال سيناريوهات دقيقة للتعامل مع المتغييرات بشكل واقعي وحكيم. وهذا ما ساتناوله في الحلقة القادمة من المقال.