بغداد تبحث عن الاستقرار وتعاني من ضغط إيران وأمريكا

فيما يتعرض العراق لضغوط من داعميه الأكبر، إيران والولايات المتحدة، وكلاهما يطالبه بتعهدات، لم يتم حتى اليوم الإعلان عن نتائج تحقيقات الحكومة العراقية بشأن سلسلة هجمات استهدفت أراضيها منذ 19 يوليو (تموز) على قواعد تابعة لوحدات ميليشيا "الحشد الشعبي" الموالية لإيران، إلا أن أصابع الاتهام تشير إلى أن إسرائيلية قد تكون خلفه.

وكان أحمد الأسدي، الناطق الرسمي باسم هيئة الحشد الشعبي سابقاً، والناطق الحالي باسم ائتلاف الفتح البرلماني، اعتبر أن التحقيقات الحكومية خلصت إلى أن "مرتكب بعض هذه الهجمات هو بالتأكيد إسرائيل"، مضيفاً أن "الحكومة تعد ملفاً يحتوي على أدلة ووثائق كافية لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي".

ويشير تقرير لصحيفة "لوموند" الفرنسية إلى إنه على الرغم من كون فرص إدانة الدولة العبرية في الأمم المتحدة ضئيلة جداً، إلا أن هذه الخطوة جزء من لعبة توازن تسعى لها بعض قيادات السلطة العراقية.

يحتج العراق بضرورة احترام سيادة أرضه، لتجنيبه من التحول إلى ساحة معارك بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها، بما في ذلك إسرائيل.

يأتي ذلك وسط آمال عراقية في الحصول على تأكيدات أمريكية بعدم شن هجمات جديدة على أراضيها، تزامناً مع تعهدها بحزم للميليشيات الموالية لإيران التي تهدد بالوقت عينه بمهاجمة المصالح الأمريكية في العراق وتطالب بسحب  5 آلاف عنصر من القوات التي تم نشرها ضمن الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي.

مصدر حكومي قال لوكالة الأنباء الفرنسية "إذا بقيت الحكومة صامتة، فقد نُتهم بالضعف، وإذا تحدثنا بصوت عال، فقد تفسّره قيادات الحشد الشعبي بأنه ضوء أخضر لإشعال حرب".

ويرى التقرير أن القوة السياسية المتزايدة للميليشيات الموالية لإيران تحد من هامش مناورة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، مرشح التسوية بين الولايات المتحدة وإيران، الذي لا يمتلك قاعدة حزبية.

إن النفوذ المتنامي للجار الإيراني وحملة واشنطن "للضغط الأقصى" ضد طهران تجعل من الصعب تجنب الراعيين المتنافسين.

وقال الباحث هشام داود "يشعر الأمريكيون أن العراق أصبح ملعباً لإيران لتهديدهم ودول أخرى في المنطقة"، ويرى أن العلاقات الثنائية بين الدولتين في أسوأ الأحوال، مضيفاً "البيت الأبيض، إما هم معادون أو مبتدئون في القضية العراقية. إنهم يريدون مواجهة العراق بحزم أكبر، وبشكل مباشر أكثر".

ويؤكد مصدر حكومي للصحيفة أن "الولايات المتحدة تشعر أن رئيس الوزراء الحكومي متحالف أكثر مع إيران"، مضيفاً "إن الأمر ضد إرادته كون أن نفوذ طهران في ازدياد داخل العراق"، في إشارة إلى العقود طويلة الأجل في المجالات السياسية والثقافية والتجارية والدينية. ويتابع المصدر قائلاً: "الاستراتيجية الأمريكية في العراق في حالة من النسيان". ويتابع "العراق في وضع ضعيف وليس لديه استراتيجية، فيما تحاول إيران ضمانة عدم حصول العراق على أي دور إقليمي أو دولي أكبر، حتى لا تغير موازين المنطقة. لقد طورت نموذجاً في لبنان واليمن وتريد الآن تطبيقه في العراق".

ويلاحظ دبلوماسي غربي أن واشنطن تنظر إلى حالتين على أنهما من الأولويات، زيارة رئيس الحكومة العراقية في واشنطن، التي تم تأجيلها باستمرار: "رفع مستوى استقلالية الطاقة في مواجهة إيران والتحكم في الميليشيات المنضوية في صفوف (الحشد الشعبي)".

إذا حصل تقدم ملحوظ في الملف الأول، فسيكون هناك مقاومة قوية من أجل منع إعادة السيطرة الفعلية للدولة على وحدات الحشد الشعبي وعتادهم العسكري، بعد أن صدر تأجيل لمدة شهر بموجب مرسوم حكومي صدر في 1 يوليو (تموز) لاستكمال اندماج عناصر وقيادات الحشد في قوات الأمن الرسمية.

ومع ذلك، يتزايد القلق الأمريكي ضد التهديد الذي تشكله إيران من خلال هذه الفصائل المسلحة. لقد ازداد القلق بعد سلسلة من الهجمات غير المعقدة ضد الأهداف الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية قبل الصيف. واشنطن، مثل إسرائيل، تشعر بقلق خاص بشأن نقل طهران للأسلحة الأكثر تطوراً إلى العراق أو تمريرها عبر العراق إلى سوريا ولبنان. وقال مسؤولون أمريكيون إن الطائرات التي استهدفت خط أنابيب في المملكة العربية السعودية في مايو (أيار) تم إطلاقها من العراق.

إن سلسلة من الهجمات على وحدات الحشد الشعبي تزيد من مستوى تهديد المصالح الأمريكية في العراق.

سارعت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في بيان لها يوم الإثنين الماضي إلى إنكار أي تورط في الهجمات، مذكّرة بدعم الولايات المتحدة لـ"السيادة العراقية" ومعارضتها لأي "ممثل خارجي". لكن معظم الخبراء والمسؤولين العراقيين يعتقدون أنه لا يمكن أن تكون تلك الهجمات تم تنفيذها من دون موافقة واشنطن، مسلطين الضوء على الغموض الأمريكي في هذه القضية. وفي حين اعترف المتحدث باسم تحالف فتح، أحمد الأسدي، بأنه لا يوجد دليل يورط واشنطن، إلا أنه بالنسبة لقيادات "الحشد الشعبي"، فإن الولايات المتحدة لا شك بأنها مسؤولة عنها.

وترى الصحيفة أن شن هجمات جديدة ضد "الحشد الشعبي" في الفترة المقبلة قد تعطي نفوذاً للقوات الموالية لإيران للمطالبة بشكل أكبر بانسحاب القوات الأمريكية، بعد المحاولات الفاشلة من البرلمان.

ومن شأن الانسحاب، إن تحقق، أن يقوض من الاستراتيجية الأمريكية لمنع تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة.

وكانت مبعوث الأمم المتحدة إلى العراق جانين هينس بلاشارت حذرت، يوم الأربعاء الماضي، من أن ذلك سيكون "ضربة كبيرة" لجهود إعادة بناء عراق مستقر ومزدهر بعد الانتصار على داعش في أواخر 2017.