اليوم الوطني.. مشروعات كبرى لخدمة المسجد النبوي

منذ توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - حظي المسجد النبوي بالرعاية والاهتمام ، وأبنائه من بعده الذين هيئوا جميع الإمكانات والبنى التحتية، وأطلقوا جملة من المشروعات الكبرى لخدمة المسجد النبوي وقاصديه، وتوسيع مساحته وتزويده بمختلف الخدمات اللازمة لخدمة المصلين والزائرين.

حيث كان من اهتمامات الملك عبدالعزيز - رحمه الله - الأولية رعاية شئون الحرمين الشريفين، وأجريت في عهده عدة إصلاحات للمسجد النبوي الشريف، ففي عام 1365هـ لوحظ تصدعاً في بعض العقود الشمالية، وتفتّت في بعض حجارة الأعمدة في تلك الجهة بشكل مُلفت للنظر، فصدر أمر الملك عبدالعزيز بعد دراسة المشروع بإجراء العمارة والتوسعة للمسجد، وصرف ما يحتاجه المشروع من نفقات دون قيدٍ أو شرط، مع توسيع الطرق حوله، إذ أعلن الملك عبدالعزيز في خطاب رسمي سنة 1368هـ عزمه على توسعة المسجد النبوي الشريف، والبدء بالمشروع، وفي سنة 1370هـ بدأت أعمال الهدم للمباني المجاورة للمسجد النبوي الشريف.

وفي عام 1375هـ انتهت العمارة والتوسعة في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - ونتج عن هذه التوسعة أن أُضيف إلى مسطح المسجد 6033 متراً مربعاً، واحتفظ بالقسم القبلي من العمارة المجيدية كما هو، وهو ما كان صالحاً للبقاء وبذلك أصبح مجمل العمارة السعودية 12,271 متراً مربعاً، وأقيمت التوسعة كمبنى هيكلي من الخرسانة المسلحة وهي عبارة عن أعمدة تحمل عقوداً مدببة، كما قُسم السقف إلى مسطحات مربعة شُكلت على نمط الأسقف الخشبية, وزخرفت بأشكال نباتية, وعُملت الأعمدة المستديرة تيجان من البرنز وزخرف أيضاً، أما المآذن فقد بلغ ارتفاعها 72 متراً تتكون كل واحدة من أربع طوابق تناسقت في شكلها مع المنائر القديمة للمسجد، كما حُليّت جدران المسجد بنوافذ جميلة وجُعل للمسجد صحنان مفصولان برواق بدلاً من واحد، وتمت تغطية أرضية المسجد بالرخام وأصبح للمسجد النبوي الشريف عشرة أبواب.

وفي عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - ونظراً لتزايد الأعداد الوافدة للمسجد النبوي وخاصة في موسم الحج نتيجة لسـهولة المواصلات والتنقل والراحة التي يلقاها الحاج والزائر في هذه البلاد الطاهرة، حيث وفّرت له الحكومة السعودية كل ما يحتاجه من أمن واسـتقرار وتوفر المتطلبات الأساسية له بما جعل أمر توسعة المسجد النبوي الشريف أمراً ضرورياً حتى يستوعب هذه الأعداد المتزايدة، أصدر الملك فيصل - رحمه الله - أمره بتوسعة المسجد النبوي الشريف، وكانت هذه التوسعة من الجهة الغربية للمسجد النبوي الشريف فقط، حيث تمثلت التوسعة في إضافة 35,000 متراً مربعاً إلى أرض المسجد النبوي الشريف ولم تتناول عمارة المسجد نفسها بل جُهزت تلك المساحة لإقامة مصلىً كبيراً ومظللاً يتسع لعدد من المصلين يُماثل عددهم داخل المسجد، ثم أضيفت مساحة 5550 متراً مربعاً وظُللت كذلك، مما أتاح المجال لاسـتيعاب أعداداً أكثر من المصلين وكان ذلك سنة 1395هـ.

وفي عهد الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - حصل حريق في سوق القماشة سنة 1397هـ وهو في الجهة الجنوبية الغربية للمسجد النبوي الشريف، وتمت إزالة المنطقة وتسوية أرضيتها، وتعويض أصحاب الدور والعقار, وتمّت إضافتها لمساحة المسجد, حيث بلغت المساحة 43,000 متراً مربعاً، وهو ميدان فسيح مظلل، أُضيف إلى أرض المسجد النبوي ولم تتناول عمارة المسجد، وقد تم تخصيص جزء منها مواقف للسـيارات.

وفي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - أمر بإجراء دراسات لتوسعة كبرى للمسجد النبوي الشريف، وكان دافعه لذلك كله أن يكون للحرمين الشريفين قيمة متوازية كما لهما القيمة الروحية العظمى لدى المسلمين، حيث تم في سنة 1405هـ وضع حجر الأساس لمشروع التوسعة للمسجد النبوي وتضمن مشروع التوسعة وعمارته إضافة مبنى جديد بجانب مبنى المسجد الحالي يُحيط ويتصل به من الشمال والشرق والغرب بمساحة قدرها 82,000 متراً مربعاً، يستوعب 167,000 مصل، وبذلك تصبح المساحة الإجمالية للمسجد النبوي الشريف 98,500 متراً مربعاً، كما تم تغطية سطح التوسعة بالرخام والمقدرة مساحته بـ 67,000 متر مربع ليستوعب 90,000 مصل وبذلك يكون استيعاب المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة لأكثر من 257,000 مصل ضمن مساحة إجمالية تبلغ 165,500 متراً مربعاً.

وتضمنت أعمال التوسعة إنشاء دور سفلي "بدروم" بمساحة الدور الأرضي للتوسعة، وذلك لاستيعاب تجهيزات التكييف والتبريد والخدمات الأخرى، واشتمل المشروع كذلك على إحاطة المسجد النبوي الشريف بساحات تبلغ مساحاتها 23,000 متراً مربعاً، تُغطى أرضيتها بالرخام والجرانيت، وفق أشكال هندسية بطُرز إسلامية متعددة جميلة, خُصص منها 135,000 متراً مربعاً للصلاة، ويستوعب 250,000 مصل, ويمكن أن يزيد عدد المصلين إلى 400,000 مصلٍ في حالة استخدام كامل مساحة الساحات المحيطة بالمسجد النبوي الشريف، مما يجعل الطاقة الاستيعابية لكامل المسجد والساحات المحيطة به تزيد عن 650,000 مصلٍ، لتصل إلى مليون مصلٍ في أوقات الذروة، حيث تضم هذه الساحات مداخل للمواضئ, وأماكن لاستراحة الزوار تتصل بمواقف السيارات التي تتواجد في دورين تحت الأرض، وخصصت هذه الساحات للمشاة فقط, وتضاء بوحدات إضاءة خاصة مثبتة على 120 عامود رخام.

وتضمن المشروع إقامة اثني عشرة مظلة ضخمة في منطقة الحصوات المكشوفة التي تقع بين المسجد القديم والتوسعة السعودية الأولى, فشيّدت المظلات بنفس ارتفاع السقف لتظلل كل منها مساحة 306 أمتار مربعة، يتم فتحها وغلقها أوتوماتيكياً, وذلك لحماية المصلين من وهج الشمس, ومياه الأمطار, والاستفادة من الجو الطبيعي، حينما تسمح الظروف المناخية بذلك.

وفي عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - تم تدشين أكبر توسعة للمسجد النبوي الشريف على مدى التاريخ, إلى جانب مشروع مظلات المسجد النبوي التي أمر بها وهي من المشاريع العملاقة، لتصل طاقة المسجد النبوي الاستيعابية بموجبها إلى مليوني مصلٍ مع نهاية أعمال المشروع - بمشيئة الله تعالى - حيث جاء التوجيه بتصنيع المظلات وتركيبها على أعمدة ساحات المسجد النبوي الشريف التي يصل عددها إلى 250 مظلة تُغطي هذه المظلات مساحة 143,000 متراً مربعاً من الساحات المحيطة بالمسجد من جهاته الأربع، يُصلي تحت الواحدة منها ما يزيد على 800 مصلٍ, يُضاف إلى ذلك تظليل ستة مسارات في الجهة الجنوبية، يسير تحتها الزوار والمصلون، وصُنعت هذه المظلات خصيصاً لساحات المسجد النبوي على أحدث تقنية وبأعلى ما يمكن من الجودة والإتقان، وخضعت لتجارب في بلد التصنيع وأُستفيد من التجربة في المظلات التي قبلها التي تعمل بحمد الله بكفاءة جيدة منذ أن انتهت التوسعة ومع ذلك فإن المظلات الجديدة قد طُورت وأُخل عليها تحسينات في شكلها ومادتها ومساحتها وصمّمت بارتفاعين مختلفين بحيث تعلو الواحدة الأخرى على شكل مجموعات لتكون متداخلة فيما بينها، ويبلغ ارتفاع الواحدة منها 14 متراً و40 سنتيمتراً، والأخرى بارتفاع 15 مترا و30 سنتيمتراً، ويتساوى ارتفاع جميع المظلات في حالة الإغلاق بارتفاع 21 متراً و70 سنتيمتراً.

وشيّدت ضمن مشروع المظلات 436 مروحة رذاذ لتلطيف الأجواء جرى تركيبها على 250 مظلة، في واحدة من أبهى صور العناية والخدمة التي تجسّد العناية والرعاية لمرتادي المسجد النبوي الشريف, فيما يعد المشروع من أضخم مشروعات الترطيب في العالم، إذ تغطي مراوح الرذاذ مختلف أرجاء ساحات المسجد النبوي التي تبلغ مساحتها نحو 175,500متراً مربعاً, وتتسع لما يقرب 251 ألف مصلٍ، وتحتوي كل مروحة على 16 فتحة للرذاذ، صممت بطريقة تمنع تساقط الماء عند إيقاف التشغيل.

وتتواصل مسيرة العناية والاهتمام بالحرمين الشريفين وقاصديهما في هذا العهد الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ إذ يؤكد - أيده الله - في كل محفل على أهمية المسيرة والحرص على متابعة العمل في مشروعات التوسعة الكبرى بالحرمين الشريفين التي تصبّ جميعها في خدمة الإسلام والمسلمين من شتى أرجاء العالم، لاسيما حجاج بيت الله الحرام، وزوار مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وتوفير كل السُبل لخدمة الحجاج والمعتمرين والزوار، بمنظومة عمل متكاملة وتنسيق مباشر بين مختلف الجهات ذات العلاقة، لتحقيق التوجيهات الكريمة على أرض الواقع، خدمة للمسلمين وعناية ورعاية للمقدسات الإسلامية.

ويحتضن المسجد النبوي "الروضة الشريفة" التي تقع غربي الحجرة النبوية مباشرة، وتمتد إلى المنبر وتبلغ مساحة الروضة نحو 330 متراً مربعاً، وتبلغ أبعادها 22 متراً من الشرق إلى الغرب و 15 متر من الشمال إلى الجنوب وتضم الروضة المحراب النبوي الذي يقع في الجزء الغربي منها يفصله عن المنبر مسافة 7 متر تقريباً، ويحدّ الروضة من الجنوب سياج من النحاس يفصلها عن زيادتي عمر وعثمان - رضي الله عنهما - أما من الجهتين الشمالية والغربية فهي متصلة ببقية أجزاء المسجد، ويميّز الروضة عن باقي مساحة المسجد أعمدتها المكسوة بالرخام الأبيض الموشى بماء الذهب إلى ارتفاع مترين تقريباً، وتقع إلى الناحية الشرقية من الروضة الشريفة حجرة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - ومن الغرب المنبر الشريف، ومن الجنوب جدار المسجد الذي به محراب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الشمال الخط المار شرقا من نهاية بيت عائشة - رضي الله عنها - إلى المنبر غرباً.

وتضم الروضة على أطرافها معالم عدة منها الحجرة الشريفة التي تضمّ قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ومحرابه صلى الله عليه وسلم الذي وضع في وسط جدارها القبلي، ومنبره عليه الصلاة والسلام, وتتخللها عدد من الأعمدة المميزة عن سائر أساطين المسجد، بما كسيت به من الرخام وفي الجهة القبلية من الروضة حاجزٌ نحاسي جميل، يفصل بين مقدمة المسجد والروضة بارتفاع متر، أقيم عليه مدخلان يكتنفان المحراب النبوي, وتنتشر في الروضة الأساطين الحجرية التي وضعت عليها خطوط مذهبة تميزها عن غيرها من أساطين المسجد.

وتحتضن المدينة المنورة العديد من الأماكن الدينية والتاريخية التي تعدّ شاهداً على عظم مكانة هذه البلدة، وارتباطها بسيرة وحياة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ومن تلك الأماكن "مسجد قباء" الذي يقع في جانبها الجنوبي الغربي، ويعدّ أول مسجد أسس على التقوى مهوى لضيوف الرحمن الذي يحرصون على زيارته، وقد شارك الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في بناء مسجد قباء، ثم جـدّده الخليفة الثالث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وزاد فيه، ولما اعتراه الخراب جدّد بنائه من بعده الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز عندما كان أميراً على المدينة المنورة, وأقام له مئذنة 87 / 93هـ.

وتوالت التوسعات على مسجد قباء, وصولاً للعهد السعودي الذي تمت فيه أكبر توسعة لمسجد قباء ليستوعب أكثر من عشرين ألف مصلٍ، وخُصّص الجزء الشمالي منه ليكون مصلى للنساء بطاقة استيعابية تصل إلى أكثر من 7000 مصلية.

ومن أهم المعالم التي يزورها القادمون إلى المدينة المنورة من الحجاج والزوار منطقة "المساجد السبعة" وتقع في الجهة الغربية من جبل سلع عند جزء من الخندق الذي حفره المسلمون في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم للدفاع عن المدينة المنورة، إبان غزوة "الأحزاب" في السنة الخامسة للهجرة, ويعدّ مسجد الفتح أكبر تلك المساجد وقد سمي بهذا الاسم لأنه مصلى رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، وتلك الغزوة كانت في نتائجها فتحاً على المسلمين.

ومن المساجد التاريخية بالمدينة المنورة "مسجد القبلتين" وسمي بذلك بعد تحوّل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة أثناء الصلاة فيه، ويطلق عليه مسمى مسجد بني سلمة لوقوعه في مواطن بني سلمة، ويقع المسجد على هضبة مرتفعة من حرة الوبرة في طرفها الشمالي الغربي بالنسبة للمدينة المنورة، ويشرف على عرصتي وادي العقيق بمساحة 3920 متراً مربعاً، إضافة إلى "مسجد الجمعة الشهير" وسمّي بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه أول جمعة حين أقبل من قرية قباء متجهاً إلى المدينة، وأطلق عليه ''مسجد بني سالم'' لوقوعه في حي بني سالم بن عوف من الأنصار، وقيل عنه ''مسجد الوادي'' ومسجد ''عاتكة'' وهو يقع بين الطريق الرابط بين قباء ووسط المدينة المنورة المسمى طريق قباء.

ومن المساجد التاريخية أيضاً "مسجد السقيا" وسمى بذلك لوقوعه في منطقة السقيا، و"مسجد الغمامة" ويقع في الجنوب الغربي للمسجد النبوي الشريف ويبعد نحو نصف كيلو متر من باب السلام، ومنها كذلك "مسجد الإجابة" ويقع إلى الناحية الشمالية الشرقية البقيع في وسط العرصة المقابلة, وهو مسجد مرتفع عما يحيط به وهو الآن يرى على طريق الملك فيصل، كما تضم "مسجد ذي الحليفة" في الناحية الجنوبية للمدينة المنورة ويعدّ ميقات أهل المدينة المنورة، ويقع على طريق الهجرة السريع باتجاه إلى مكة المكرمة.

وعرفت المدينة المنورة أيضا بتعدّد جبالها وأوديتها التي ارتبطت بسيرة النبي محمد صلى الله علية وسلم ومن أهم هذه الجبال "جبل أحُد" الذي يطلّ بمكانته التاريخية الكبيرة على المدينة المنورة من الجهة الشمالية، متباهياً بشواهد نبوية عظيمة تمثلّت في خطى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي مشى على سفحه وصحبه الكرام، وتقع إلى جواره مقبرة شهداء أحد التي تضم أجساد 70 شهيداً من الصحابة رضوان الله عليهم الذين استشهدوا خلال معركة أحد, ويعدّ الجبل معلماً بارزاً في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي, وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : (جَبَل أحُدٍ يحِبنَا وَنحِبه وَهوَ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ).

وشهد الجبل غزوة أحد، تلك الملحمة الفاصلة في بداية انتشار الإسلام وهجرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وقال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم : (أُحُدٌ جبلٌ يُحبُّنا ونُحبّه وعلى باب من أبواب الجنة). صحيح البخاري.

ويعدّ جبل أحد أكبر جبال المدينة المنورة، وسُمي بجبل أحد لتوحده وانقطاعه عن غيره من الجبال أو لما وقع لأهله من نصرة التوحيد.

ويبرز في الجهة الجنوبية للمدينة المنورة "جبل عير" الذي يعد أحد المعالم الجغرافية البارزة التي تميّزت بها المدينة المنورة, فهو جبل عظيم وشامخ يمثل, كما يعتبر هذا الجبل هو حد حرم المدينة من تلك الجهة حيث جعله النبي صلى الله عليه وسلم معلما لحدود هذا الحرم ففي الصحيحين من حديث ابراهيم التيمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (المدينة حرمٌ مابين عير إلى ثور).

ومن الجبال أيضاً "جبل سلع" الذي يقع غربي المسجد النبوي على بعد 500 متر تقريباً من سوره الغربي، ويبلغ طوله نحو كيلو متر تقريباً, ويصل ارتفاعه إلى 80 متراً وعرضه ما بين 300 إلى 800 متراً ويمتد من الشمال إلى الجنوب ويتفرع منه أجزاء في وسطه على شكل أجنحة قصيرة باتجاه الشرق والغرب.

ولجبل سلع مكانة تاريخية متميزة، فقد وقعت على سفوحه أو بالقرب منه عدة أحداث مهمة، أهمها "غزوة الخندق" أو غزوة الأحزاب، حينما تجمّع المشركون في جهته الغربية وكان يفصل بينه وبينهم الخندق الذي حفره المسلمون في السنة الخامسة للهجرة، وكان سفح جبل سلع مقر قيادة المسلمين، فقد ضربت خيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورابط عدد من الصحابة في مواقع مختلفة منه، وعند قاعدة الجبل سكنت منذ العهد النبوي قبائل عدة.

وللأودية في المدينة المنورة أهمية كبيرة، إذ شهدت بطونها حضارات قديمة استوطنت المدينة المنورة أو مرت بها، وذكر بعضها في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو اكتشفها إنسان هذا العصر من خلال النقوش والرسومات التي برزت على صخورها كعلامات دلالية لكائنات عاشت على أرض الجزيرة العربية في عصور ما قبل الإسلام وبعده.

ومن أهم هذه الأودية "وادي العقيق" ويسمى " الوادي المبارك " ، فقد جعله الله تبارك وتعالى من البقاع الطيبة، وذكر النبي عليه الصلاة والسلام هذا الوادي في أحاديث كثيرة، تبيّن فضله وجمال طبيعته، وكان صلى الله عليه وسلم يخرج إليه يستمتع بهوائه وجوّه اللطيف، إضافة إلى "وادي بطحان" المعروف عند أهل المدينة المنورة بـ "سيل أبو جيده" بأنه من الأودية المحبوبة، فعندما يسيل يدخل المدينة، ويعمّ الخير ويفرح أهلها بمقدمه، ومصدر هذا الوادي من منطقة الحلابين، ثم "وادي جفاف" ومنه إلى بطحان ويجري هذا الوادي في ضاحية بطحان الجنوبية، ثم ينحدر لوسط المدينة المنورة حتى يتصل بوادي العقيق في الجهة الشمالية الغربية من المدينة ثم يتّحدان في مجرى واحد, وينتهي بالغابة بمجمع السيول.

وتشتهر المدينة المنورة بـ "وادي قناة" وهو من أهم وأكبر أودية المدينة المنورة، وعُرف عند أهلها بسيل سيدنا حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه، كونه يمر من منطقة سيد الشهداء، ومصادر هذا الوادي كثيرة منها القريبة كتلك الشعاب والأودية المنحدرة من الجبال والحرات، ومنها البعيدة مثل وادي وجّ بالطائف، لذلك يعدّ من أخطر أودية المدينة المنورة.

ومن أودية المدينة المتنورة المعروفة "وادي الرانوناء"، وشكل عنصراً رئيساً في إرساء منازل القبائل العربية التي نزلت على ضفافه، وأرسى دعائم التطور الحضاري، وظلّت ضفافه مزدهرة وعامرة بالسكان حتى عهد العصر النبوي, حيث امتدت إليه منازل بعض القبائل الأخرى، فشغلت معظم أجزاء الوادي حتى كانت المزارع تغطي أجزاء كبيرة من مساره، ووادي الرانوناء في الجهة الجنوبية الغربية من الحرة الجنوبية المعروفة بحرة شوران.

ويعتبر "وادي مهزور" من أودية الحرة الجنوبية، وحلّت به القبائل القديمة التي نزلت على ضفافه، وقامت حضارة عريقة كانت جزءاً مهماً من أجزاء حضارة المدينة المنورة قبل الإسلام، وذكر هذا الوادي في الأحاديث النبوية الشريفة.

وتضم المدينة المنورة أيضاً "وادي مذينب" الذي عرف بأنه شعبة من بطحان، وذلك لاتحاد مصادر مياههما في أكثر الأجزاء إضافة إلى انتهاء الوادي بالاتصال بوادي بطحان بالقرب من المدشونية، ليكوّنا وادي بطحان الذي ينتهي إلى الشمال الغربي من المدينة المنورة، حيث يلتقي بوادي العقيق ومنها إلى مجمع الأسيال.