تأثير المنهج الخفي

إحدى القصص التعليمية والتي حدثت في البلدان المتقدمة عندما دار حوار بسيط بين أحد المبتعثين وفتاة اجنبية تستكمل واجباتها الدراسية على طاولة مكتبات الجامعة، وبحكم تخصص المبتعث وهو الرياضيات زاد فضوله للاطلاع على المسائل الرياضية التي تقوم الفتاة بحلها فوجد في أحداها بعض الأخطاء، وبحس المعلم المبتعث وظناً منه أنه يسدي لها جميلاً أشار على موضع الخطأ وقام بتصحيحه، فوجد ثورة عارمة منها وتضجر قائلة: أتغششني، هل تعتقد أني عديمة الأخلاق؟ فما كان منه إلا أن قدم اعتذاره محاولاً الانسحاب من الموقف بكل هدوء.

وقصة أخرى يتشابه مضمونها مع القصة الأولى وتدور حول عالمنا العربي والمصري القدير(أحمد زويل) عندما كان يتبادل الحوار مع أبنه حول الأنشطة المدرسية، فأخبرهأبنه عن مهامه المتعلقةبالأنشطة والتي تنحصر في كتابة التقارير، فأعترض زويل لماذا لا يكون أبنه قائداً للمجموعة بدلاً من زميله وخصوصاً انه أبن العالم المشهور؟ فأجابه الأبن: حتى ينجح النشاط لا بد أن نعمل بروح الفريق فكل واحد منَا يكمل الأخر ولا مكان للأنانية بيننا هذا ما علمني المعلم!!

هذه القصص وغيرها تتحدث عن أمور مخفية وليست مدروسة ومتناولة في الكتب المدرسية وما نعنيه بالتحديد عن (المنهج الخفي) حيث يرى التربويينأن المنهج الخفي يمثل القيم والتوجهات التي تظهر في النشاطات والممارسات وبعض مظاهر السلوك التي يتعرض لها الطلبة داخل المدرسة مما لا تتضمنه المقررات المدرسية وهي التي يتأثرون بها ويكتسبونها بصورة غير واعية.

وقد يغلب المنهج الخفي تأثيره المنهج الدراسي المعتمد في بعض الأحيان، فيكون خفياً في مصادره وألية تنفيذه إلا أن نواتجه تكون أكثر ظهوراً للعيان في المجتمع، حيث أن تأثير المنهج الرسمي في نفوس الطلبة أضيق دائرة، بينما تأثير المنهج الخفي أوسع وأشمل،ومن هنا ينبغي على المدرسة أن تأخذ هذه النتيجة بعين الاعتبار، فتبني لنفسها منظومة من القيم الإيجابية، التي تعمل على إكسابها لطلابها، من خلال توظيف المنهج الخفي، مع تنبيه المعلمين إلى أن أقوالهم وسلوكياتهم وأفكارهم تفرز مجموعة من الخبرات الخفية التي قد تحمل الشر وقد تحمل الخير.

ولهذا نقول إنه قد يزول المنهج المدرسي مع مرور السنين من عقول أبنائنا ويبقي المنهج الخفي فكم كلمة من معلم صنعت طالب، وكم لمسة حانية من معلمة رسمتالطريق للطالبة، ونحن أحوج ما نحتاج إليه اليوم هذا المنهج لنزرع في طلبتنا الاخلاق والاحترام والسلوكيات الصحيحة.

معلمي،،، كن واسع الأفق عند وضعك لأهداف الدرس فدورك العظيم لا يقتصر على أهداف ورقية محدودة، ولا تنسى أن تخطط وتفكر فيما ستقدمه أنت لطلبتك بعيداً عن الكتاب المدرسي وقائد المدرسة والمشرف التربوي، وماذا ستزرع فيهم؟ وممن ستحذرهم منه؟ فهذا كله هو السر بينك وبينهم، فكم نحتاج عونك ومساعدتك لبناء مجتمعنا وتربية أبنائنا وكما قيل (أنت الوحيد الذي يقاسم تربية أبنائنا ونحن أولياء الأمور على قيد الحياة وراضين بذلك وانت أهلاً لهذه الثقة).