كورونا.. المصائب والفرص

أصبح مرض كورونا حديث الناس في الآونة الأخيرة، والحدث الأبرز في العالم بسبب انتشاره الخطير وما خلفه وراءه من وفيات وإصابات، وقامت الدول جميعاً بإجراءات احترازية للحد من تفشي هذا المرض وانتشاره، حتى الدول التي لم تسجل فيها أي إصابات من جراء ذلك.

ولن أتطرق اليوم في هذا المقال للحديث عن خطورة المرض وسبل الوقاية منه فهذا دور الأطباء والمختصين في المجال الصحي، ولا عن تأثيره اقتصادياً على فهذا شأن الاقتصاديين، ولكن أتعرض لهذا الحدث من جانب مختلف ومن زاوية تنويرية، فمعظم الأحاديث والأخبار التي تناولت هذا المرض وما سببه من تبعات كانت من زواياً يغلفها الهلع والسوداوية، وهناك جانب مضيء وزاوية مشرقة قل من يتحدث عنها أو حتى يشير إليها، وهو جانب الفائدة التي حدثت من جراء انتشار ذلك المرض.

ففي المجال الصحي مثلاً شاهدنا إقبالاً كبيراً على منتجات التعقيم والتنظيف، لدرجة نفذت معها تلك المنتجات من الأسواق والصيدليات، وأصبحت الشركات والجهات الطبية غير قادرة على تلبية الطلب الكبير والمتزايد على المعقمات والكمامات ومنتجات التعقيم عموما.

وفي مجال التعليم أيضاً شاهدنا ازدياداً في معدل الدخول على القنوات التعليمية على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب قرار تعليق الدراسة، وهو الأمر الذي كان الكثير من أولياء الأمور والطلبة يتجاهلونه أو يتحاشونه، لا لأنهم لا يجيدونه؛ بل لأن التعليم التقليدي هو المفضل لدى الكثير منهم، في حين أن الأطفال يقضون أوقاتاً طويلة على برامج الألعاب الموجودة على الأجهزة الذكية، ولا يخصصون وقتاً قليلاً للتعليم قبل قرار تعليق الدراسة.

كما أن الكثير من الموظفين الذين كانوا يعانون من زحمة الطرق قبل تعليق الدراسة هم الآخرين قد استفادوا من ذلك القرار، فالطرق أمامهم الآن فسيحة ولا يوجد ازدحامات مرورية تتسبب في تأخيرهم عن أعمالهم، ومن كان يصل إلى عمله في ساعة قبل قرار التعليق أصبح يصل في مدة أقل من ذلك بكثير، ولن يضطروا إلى توصيل أبنائهم صباحاً إلى مدارسهم والخروج من أعمالهم ظهراً؛ لإخراجهم مما قد يتسبب في قضاءهم وقتاً أطول خارج مقرات أعمالهم.

يقول الكاتب الأمريكي أنتوني روبنز: "يمكنك تحويل الأحداث المؤلمة إلى فرصة سعيدة للتعلم أو النمو أو مساعدة الآخرين".

وعندما نتحدث عن الأحداث المؤلمة فهي كثيرة ومستمرة في العالم، ولكن علينا ألا ننظر دوماً إلى الجانب المظلم منها، بل يجب أن نكون متفائلين لأن الحياة تعلمنا باستمرار أن كل مصيبة تحدث من المؤكد أن خلفها العديد من الفوائد والمكتسبات لمن أدرك ذلك، ويقول ونستون تشرشل في هذا الشأن: "المتشائم يرى الصعوبة في كل فرصة، والمتفائل يرى الفرصة في كل صعوبة".

فمع ظهور هذا المرض الخطير وانتشار أخباره وتزايد حالات الإصابة به والتدابير الخاصة بالوقاية منه والقرارات المترتبة عليه، تعامل العديد من الناس مع ذلك الحدث بذكاء، فهناك من سارع بالاستثمار في المجال الطبي والتجارة فيه، وهناك من جعل من ذلك فرصةً لإبراز نفسه كمتخصص في هذا المجال والتسويق لنفسه ولمهنته، وهناك من كان مستثمراً في مجال التعليم الإلكتروني ووجد ذلك وقتاً مناسباً للترويج لشركته أو قناته.

ولا شك بأن تلك الفرص تحتاج إلى عمل وجهد ولن يحصل عليها النائمون الغارقون في أحلامهم، وأختم هذا المقال بمقولة جميلة ومعبرة لتوماس أديسون عن حال تلك الفئة بقوله: "يخسر الناس معظم الفرص التي تواجههم لأنها تأتيهم دائماً بملابس العمل، فلا توجد فرص مجردة من الجهد إلا في الأحلام، ولا يقابل الفرص في الأحلام إلا النيام".