د. حمد بن محمد الشدادي يكتب: كورونا الفكر جائحة زمان أم خاطرة فنان

يبدو أن المتنبي كان صائباً حينما قال «وبين الجسم والفكر ارتباط.... إذا ما طاب ذاك فذا يطيبُ»، فالمرض والفكر أصبحا مترابطين اليوم أكثر من أي وقت مضي، وأيضاً التطرف والإرهاب لا دين له ولا أسلوب له، بل إنه يتطور ولا يفتر، من حيث الاستقطاب والتأثير باحثاً عن ثغرة أو فرصة بل حتى ظرف، مهما كان مأساويًّا ليظهر بفكر جديد وتكتيك جديد.

إن عملية الاستقطاب الاجتماعي في ضوء مضامين علم النفس الاجتماعي مرتبط بمفهوم الجماعات لعلاقتها بطبيعة الحياة الاجتماعية وتفاعلاتها, بحيث يكون فهم تلك الطبيعة من خلال فهم تلك الجماعات ودراسة دينامياتها وظروفها, إضافة إلى أن المجتمع هو عبارة عن مجموعة من الأفراد، تجمعهم روابط معينة. والفرد والمجتمع كل منهما يؤثر ويتأثر بالآخر.

إن نمط استقطاب الجماعات هو النمط المعهود في الجماعات المتطرفة. وهي ليست محصورة في فترات تاريخية معينة, أو أمم معينة, أو ثقافات معينة , خاصة أن التأثير الاجتماعي قد يؤدي إلى التطرف والإرهاب وذلك عندما يتفق أعضاء الجماعة بصورة مبدئية على قضية ما، سيما  أن المجتمعات في الغالب عرضة لأنواع مختلفة من التأثير الاجتماعي, وغالباً سيتفقون مع الأغلبية – حتى عندما تكون مخطئة- سواء بسبب أنهم يعتقدون أن الأغلبية على صواب, أم أنهم يخافون الرفض أو الاستهجان, كما يمكن أن يؤدي النقاش الجماعي إلى استقطاب آرائهم, ويمكن أحياناً أن تكون الأقليات مؤثرة, ولكن يجب أن تظل الأقليات متسقة على مدى الوقت, بالإضافة إلى ذلك, فإن تأثيرها يكون غير مباشر إلى حد بعيد.

إن الاستقطاب الجماعي غالباً ما يكون في البدايات, وهو أقواها، بل إن تبادل المعلومات الجديدة والاشتراك في الأهداف؛ من أهم أسباب الاستقطاب الجماعي ومفتاح التطرف في كل أشكاله. فغالباً ما يحدث ذلك الاستقطاب الجماعي لأن الأفراد يقولون لبعضهم بعضاً ما يعرفونه, وأن ما يعرفونه يتم تحريفه في اتجاه يمكن التنبؤ به. أنهم عندما يسمعون لبعضهم بعضاً يبدأون التحرك بما يخدم أهدافهم.

والاستقطاب الجماعي له تفسيران أحدها: يُشير إلى أن الاستقطاب يكشف عن المعتقدات والرغبات الخفية، أما التفسير الآخر: فإنه يُشير إلى أن الاستقطاب يخلق المعتقدات والرغبات الجديدة. ويذهب التفسير الأول إلى أن الناس في كثير من الأحيان يملكون اهتمامات مكبوتة ومتجذرة بعمق، وتكون النتيجة مزيداً من التطرف.

وفي الختام: إن من السعادة المبهجة أن نرى وعياً فكرياً صحياً تجاه جائحة كورونا الفيروسية سواءً من قبل المجتمع الدولي عامة, والمجتمعات الخليجية خاصة والسعي الدوؤب لاتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية في الأسواق, ومقر العمل, ومحاضن الدراسة والتعليم, ومحاولة ترسيخ قيم التباعد الاجتماعي والإجراء الوقائي على مستوى الأفراد والمجتمعات بإختلاف مجالاتها, وما أجمل تلك اليقظة المجتمعية إن تزامنت مع مكافحة (كورونا الفكر المتطرف) بدأً من مجتمع يتخذ جميع الإجراءات الاحترازية لحماية كافة العقول البشرية باختلاف أجناسها, ومختلف أعمارها ضد كل فكر دخيل, بشمولية مصادره وتنوع مآلاته من ترويج شائعات, ومرسلي دعوات التحريض والتجييش, ورسائل الإحباط والتشكيك عبر كافة وسائل الاتصال من مواقع الكترونية, ومجالس مجتمعية, وفصول دراسية في ظل جهود مؤسسات الدولة الأمنية والفكرية على كافة الأصعدة ومن أبرزها جهاز (رئاسة أمن الدولة) عبر موقعهم بتويتر, ورسائلهم المتزامنة مع حملات الوعي الصحية, وبذلك تتحقق المناعة الصحية من جهة والحصانة الفكرية من جهة أخرى.

لذا ما أجمل أن نحمل هذا القيم الفكرية ونطبق شموليتها ورونقها:

(وعي فكري, بثوب مجتمعي, وتخطيط مستقبلي, وحس أمني, وشعور وطني)