لماذا سقطت التفاحة؟

رغم أهميتها، فالآراء خارج حدود المعرفة الحقيقية وعلى تخومها أيضاً، تعد تطفلًا، وضيفاً ثقيلًا حتى حين تتم دعوته، وإن بقيت في حيز الرأي ولم يزعم مدليها أو يوحي بأنها حكم يمكن الركون إليه، وهي في ذات الوقت لغط تُلبس ضوضاءه صوت الحقيقة على من لاتحسن أذناه تمييز الأصوات.

ولذا فمعرفة أحدنا جهله بأمر ما، أدعى إلى تركه وهو فضل للعاقل على ما دونه، وفضيلة متعدية ستعود عليه وعلى الآخرين بالجداء والفائدة. وستتنتضم بمقتضاها حواراتنا في سلك الكسب والمنفعة.

فكما سهُلت سبل تفكيك الآراء وتوفرت طرقه فقد توافرت طرائق بناء رأي حصيف وحكم صحيح وأمست من اليسر بما كان بحيث لم تعد عصية على أحد سيما وقد أبان رعاة كل علم مواضعه وحددوا مواقعه، فكان لكل شخص أن يدلي بالمحقق الموثق على غير غضاضة، ولكن في غير بذخ ولا إستهلاك.

ولذلك فبقدر جمال أن يكون لأحدنا رأي في كل شيء يكون قبح أن يبدي رأيه في كل شيء.

تكهن الأديب الروسي العظيم ليو تولستوي في رائعته الحرب والسلام سببين لسقوط التفاحة عن الغصن حينما تنضح، تكهنًا أدبيًا محضاً لا يخلو من إشارة إلى تضارب الآراء الأمنيات والأحكام أيضاً. وتسائل إذا ماكان السبب هو ثقلها أو ذبولها بسبب حرارة الشمس ماسهل على الريح إسقاطها.

وهي تكهنات ضمنها تساؤلاته وأبقاها في حدود الرغبة في معرفة السبب ولم يصعد بها إلى درجة الحكم.

ثم ذكر أن العالِم يعزو ذلك إلى إنهيار النسيج النووي، أما الطفل فيعد إستجابة صلواته المتكررة لنيل التفاحة هي السبب، وهنا يلمح ليو إلى تضارب السبب الحقيقي (العلمي) مع أمنية ضعيفة، وربما حمل البعض في عقله الباطن إنتقاداً للعلم الذي همش صلاة الطفل وربما ظن آخر عكس ذلك ولكنه عمل أدبي على كل حال يخضع لحالة من الإبداع قد تطغى على ماسواها لكنها مع ذلك لم تغفل أهمية العلم بالشيء وبناء الحكم الحصيف ونسبه إلى رعاته بالرغم من أنه شرع باب الظنون على مصراعيه حين قال: (قد يكون الإثنان على حق)

وعدا عن أن استقاء العلم بالشيء من معينه واجب أخلاقي فهو سبيل للارتقاء بالمستوى المعرفي المجتمعي وطريق إلى إشاعة الحقيقة، فحينما تسود ثقافة التثبت وتسري في أحاديثنا تمسي أكثر نجاعة وأمتع مؤانسة وهو أمر لايحتاج إلى كثير جهد ولا عظيم بذل فقد أصبح المعلومة الصحيحة في متناول الجميع وأصبح الكتاب ياسراً وافراً، وأصبح السواد الأعظم من البشرية يعلم لماذا سقطت التفاحة.