تأثير وسائل التواصل على خياراتك الغذائية

أحدثت شبكة الإنترنت ثورة في المعلومات، وانتشارًا كبيرًا لعددٍ من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم.

ولم تعد وسائل التواصل مجرد منصات للتعارف والتواصل فحسب، بل تخطى استخدامها التواصل الاجتماعي الذي وُجدت من أجله فأصبحت منصات اقتصادية وتوعوية وإعلامية وترفيهية إلخ، كما أصبحت منصات للأعمال التجارية للتواصل وتسويق المنتجات، وأصبحت تلك الوسائل تحوي طيفًا واسعًا من الأخبار  في شتى مجالات الحياة ومنها مجال الغذاء.

حيث تحوي أخبارًا حول سلامة الغذاء والممارسات الجيدة التي ساعدت على تحسين قدرة المستهلكين على التفاعل مع بعضهم البعض وتبادل المعلومات والتعليق عليها ومراجعتها، وصولًا إلى عمل تصنيفات لجودة المنتج الغذائي.

وأصبح ما ينشر فيها من معلومات حول سلامة المنتج وجودته يؤثر بشكل كبير في قرارات الإقبال على المنتج  أو الإحجام عنه، وعلى سبيل المثال فمن الممكن أن ينتقل خبر تفشي تسمم  غذائي أو  وجود مخالفات أو قصور بالخدمة في مكان ما بسرعة عالية عبر الإنترنت وبالتالي تنبيه المستهلكين الآخرين والجهات الرقابية المعنية.

وعلى الرغم من تلك الإيجابيات، فإن لها سلبياتٍ خطيرة، فقد أصبحت منصاتٍ إعلاميةً متاحةً للجميع، تمكن أي شخص من أن يصبح مراسلًا صحفيًا يستطيع نشر ما يشاء من معلومات بأسرع وقت وعلى أوسع نطاق.

ولكن هذه المعلومات والأخبار التي يتم نشرها عبر وسائل التواصل بعضها صحيح وموثوق به، وبعضها غير دقيق وربما فيه كذب وافتراء مقصود، وبالتالي يصبح من الصعب على المستخدم العادي تمييز المعلومات الحقيقية والمعتمدة حول سلامة الغذاء وجودته من غيرها، وأصبح من بين التحديات التي تواجهها المنشآت والعلامات التجارية الغذائية هذه الأيام تلك الشائعات والأخبار المزيفة المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد تكون هذه الأخبار المزيفة نتيجة عمل موظف ساخط أو عميل غير راضٍ ينشر معلومات غير دقيقة من أجل الانتقام معبرًا عن عدم رضاه، أو لأسباب كيدية أو حرب تنافسية بين الشركات.

ولا يقتصر خطرها على نشر معلومات مضللة - وهذا بلا شك غير مقبول أخلاقيًا وأدبيًا - بل قد تؤدي إلى زعزعة الثقة والتشويه أو ربما يتسبب في عمل تنبيهات غير صحيحة تتعلق بالسحب الوقائي لبعض المنتجات الغذائية مؤديًا إلى خسائر مالية للتاجر من ناحية، ومن ناحية أخرى تُسهم في إضعاف ثقة الجمهور في الجهات الرقابية و النظم الغذائية.

وقد أطلق الدكتور كارلوس باروس، رائد قانون الغذاء في أوروبا وأمريكا اللاتينية، في الثمانينات عبارة  "الإرهاب الإعلامي" على مثل هذه التصرفات.

وهناك عوامل تُسهم في تشكيل سلوك مستخدمي وسائل التواصل تجاه سلامة الغذاء والاعتقادات حولها ومنها: الخلفية الثقافية والعوامل الاجتماعية والنفسية، ومستوى التفاعل مع أخبار سلامة الغذاء، ووعي المستهلكين، ومصداقية وسائل التواصل الاجتماعي ومستوى الثقة فيها ومحتواها.

ولا يخفى تأثير القناعات الخاصة، والآراء الفردية  والانطباعات السلبية والتقييمات الشخصية وتوقعات نظرية المؤامرة وردود الأفعال المتسرعة من بعض المستخدمين، مما قد يؤدي في النهاية إلى عواقب سلبية.

ويقع عبءُ مواجهة الشائعات على كاهل الأفراد والهيئات والحكومات، فالجميع يتحمل جزءًا من المسؤولية في التعامل مع مثل هذه الأخبار المضللة بشكل عام، وبالأغذية بشكل خاص، فعلى الحكومات نشر الوعي بخطورة إطلاقها.

كما ينبغي للقطاعات الحكومية المعنية والمتأثرة أن يتعاونوا وأن يعملوا معًا ضد التضليل ضمن شبكة وطنية فعالة وتوفير منصات متخصصة لزيادة الوعي بالمعلومات الرقمية المضللة.

وللأوساط الأكاديمية والمتخصصين في علم النفس وصناعة الإعلام دورٌ في صياغة رسائل إعلامية خاصة وتكييف لغتها ومحتواها ليناسب مختلف الفئات العمرية. وتقليل الأمية الإعلامية والمعلوماتية بشكل عام في المؤسسات التعليمية باستهداف الأجيال الشابة.

وتمثل وسائل التواصل فرصة للعاملين في قطاع الأغذية، بفتح خط اتصال مباشر مع الجمهور، وإيجاد  قنوات تواصل حول سلامة الغذاء بالمشاركة والتثقيف والتفاعل مع المستهلك، لبناء الثقة، خصوصا في المملكة نظرًا لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع فيها، وكذلك فإنها واحدة من أكبر الأسواق الوطنية في العالم.

 

وختامًا فإن الأخبار الكاذبة تشبه السموم الفتاكة في سرعة انتشارها وشدة تأثيرها، وإن أقوى علاج لها  يكمن في التثبت والتبين منها ، والذي يعد فريضة شرعية تحتم على مستخدمي وسائل التواصل وغيرهم التحقق من المعلومات بشكل صحيح قبل نشرها، قال تعالى:"يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ".