تركيا صنعت الصراع الأخطر بين أرمينيا وأذربيجان 

تجري حاليا مواجهات تكاد تكون الأخطر بين القوات الأرمانية والأذربيجانية، على منطقة قره باغ المتنازع عليها في جنوب القوقاز، ولكنها ليست الأولي حيث أن الصراع قائم منذ مطلع القرن العشرين.

 

وأعلنت أرمينيا التعبئة العامة في الدولة،بعد موافقة البرلمان في باكو يوم 27 أيلول (سبتمبر) على إعلان حالة الحرب، ليتخذ الاشتباك الحدودي مسارات استخدمت فيها المدفعية الثقيلة والدبابات والصواريخ والطائرات المسيرة.

 

وقد اندلعت مواجهات بين الدولتين المتجاورتين لأسباب عرقية ودينية وقومية، ثم اتخذ شكل صراع داخل المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، قبل أن يتبلور من جديد في ضوء التحالفات الجديدة في المنطقة، بعيدا عن الاصطفاف التقليدي.

 

وبدأت بوادر النزاع حول الإقليم تطفو على السطح، مع سعي كل دولة لبسط سيادتها عليه، وبلغ النزاع ذروته، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وإعلان كل من أرمينيا وأذربيجان استقلالهما عنه عام 1991.

 

وأثناء النزاع، أعلن الإقليم ذو الأغلبية الأرمينية - نحو 95 في المائة من العرقية الأرمينية - انفصاله عن أذربيجان، بدعم من الحكومة في يريفان، بعدما صوتت الأغلبية لمصلحة الاستقلال، في استفتاء أجري في كانون الأول (ديسمبر) 1991، لكن المواطنين من أصول أذرية، لم يشاركوا في الاستفتاء بحجة أنه غير شرعي، وبما أن الدستور السوفياتي، لم يمنح حق الاستقلال سوى 15 جمهورية سوفياتية سابقة، فقد عدت أغلبية الدول إعلان استقلال قره باغ مخالفا للقانون الدولي، فما كان من الحكومة المركزية في أذربيجان إلا أن أرسلت قواتها العسكرية لمنع الانفصال، فقامت أرمينيا بدعم سكان الإقليم الأرمن عسكريا لمقاومة القوات الأذرية، فاندلعت الحرب "1988 إلى 1994"، التي أودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص من الجانبين، وخلفت أزمة إنسانية، من نتائجها نزوح أزيد من مائة ألف شخص أغلبهم من الأرمن.

 

فرض ذلك تدخلا دوليا، بقيادة الجمعية البرلمانية لدول رابطة الدول المستقلة، وبرلمان جمهورية قرغيزيا، والجمعية العامة الفيدرالية ووزارة الخارجية الروسيتين، أقر وقف إطلاق النار بدءا من 12 أيار (مايو)، بعد توقيع الطرفين على الاتفاق المعروف باسم "بروتوكول بيشكيك" في العاصمة القرغيزية، في 5 أيار (مايو) 1994.

 

شكلت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، من جانبها "مجموعة مينسك"، برئاسة مشتركة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، بهدف إيجاد حل سلمي للنزاع، لكنها لم تحقق أي نتائج تذكر طيلة ربع قرن، حيث اكتفى الرؤساء المشاركون للمجموعة، الذين زاروا الدولتين بشكل دوري، واجتمعوا بالسلطات، بتحذير الطرفين من انتهاك وقف إطلاق النار في كل مرة.

 

أقدم انفصاليو الإقليم عام 2006 على اتخاذ خطوة صعدت من الموقف، حين أعلنوا دستورا خاصا بالإقليم، واختاروا مدينة استبانا كريت عاصمة لهم، وأنشأوا المؤسسات الحكومية بجميع سلطاتها، بدعم من أرمينيا وروسيا. ظل الهدوء الحذر سيد الموقف مع مناوشات عسكرية على المواقع الحدودية، بين الفينة والأخرى، لكن الأمور خرجت عن السيطرة في نيسان (أبريل) 2016، فوقعت مواجهات استمرت أربعة أيام، وسميت بحرب "الأيام الأربعة"، سقط فيها نحو مائتين من الجانبين، قبل إعلان أذربيجان إيقاف الحرب من جانب واحد، مهددة باستئناف عمليتها العسكرية في حال تعرضت لهجوم آخر.

 

اندلعت المواجهات من جديد في 12 تموز (يوليو) 2020، وأسفرت عن سقوط 16 قتيلا من الجانبين، وسط تبادل الاتهامات بين الطرفين حول مسؤولية الطرف المعتدي أولا، أخذت حدة التوتر بين الطرفين تتزايد خلال الأشهر الماضية، وغذاها إعلان أطراف إقليمية دخولها على خط الصراع، فقد انخرطت القوى الكبرى في دعم الأطراف المتصارعة، فتركيا تدعم علانية أذربيجان، بينما تصطف روسيا إلى جانب أرمينيا.

 

يبقى المثير للاهتمام أن كل القوى الإقليمية والدولية دعت إلى كبح القتال الجاري هناك، باستثناء الرئاسة التركية التي أعلنت، على لسان المتحدث باسمها، دعم بلادها أذربيجان في حربها ضد أرمينيا، بقوله "لقد انتهكت أرمينيا مرة أخرى القانون الدولي وأظهرت أنه لا مصلحة لها في السلام والاستقرار.. تقف تركيا في تضامن كامل مع أذربيجان، وتؤيد دون تحفظ حقها في الدفاع عن النفس".

 

في المقابل، كان الكرملين أكثر هدوء، ولو ظاهريا على الأقل، حيث دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الأرميني إلى "بذل كل الجهود اللازمة لمنع التصعيد العسكري للمواجهة، والأهم من ذلك وقف العمليات العسكرية"، رغم أنه من غير المرجح أن تسمح موسكو لأنقرة بفرض إرادتها في منطقة نفوذ سوفياتية سابقة، تحاول أنقرة مجاراة موسكو في صناعة بؤر توتر وجبهات للصراع، من أجل تسويق نفسها كقوة إقليمية ودولية، فبعد المواجهة في جبهتي سورية وليبيا من أجل السيطرة على أجزاء من الأبيض المتوسط، جاء الدور على منطقة القوقاز التي توشك أن تتحول إلى جبهة حرب جديدة.