التحفيز عند القادة

لعل موضوع التحفيز بزعمي من أهم المواضيع التي تستحق أن تطرح في مقدمة أي حديث عن العمل والوظائف، بل وأرى أن على كل موظف حديث التعيين أن يسأل أولاً وقبل مباشرته العمل عن تحفيز الموظفين، وما هي الإجراءات التي تقوم بها جهة عمله من أجل شحذ همم الموظفين واستكشاف ما لديهم من قدرات ومهارات.

وكيف يمكن للموظف أن يساهم في إنجاز الأعمال المطلوبة منه بشكل دقيق ومثالي، ولكن مع الأسف الشديد أن موضوع التحفيز يأتي في آخر القائمة التي تهتم بها إدارات الموارد البشرية في مختلف قطاعات الأعمال، ولو بحثنا عن السبب وراء ذلك؛ سنجد أن من أهم الأسباب هو نظرة القائمين على تلك الأعمال وبالأخص القادة، إلى موضوع التحفيز على أنه موضوع هامشي.

وأن ما سيصرف على ذلك البند من أموال ولو كانت قليلة مقارنة بالهدر المالي الذي يرتكبه أولئك المسؤولين، سيكون مصدراً للإزعاج ومدعاةً للقلق، وهذا بالطبع ناتج عن التفكير السطحي الذي يسيطر على معظم العاملين في قطاعات الأعمال وخصوصاً غير المبدعين.

إن المسؤول الذي يولي التحفيز أهميةً كبرى في جهة عمله هو مسؤول مبدع؛ لأنه يعرف أثر ذلك العمل في نفوس مرؤوسيه، ويدرك أن الموظف هو كتلة من المشاعر تتأثر بالثواب والعقاب، ويمكن للموظف وإن كان قليل الإمكانات متواضع الأداء، أن يعطي أكثر مما لديه عن طريق التحفيز، وأرى بأن هذا الأمر يستحق أن يدرّس في الكليات والجامعات التي تتضمن أقساماً للموارد البشرية وإجراءات العمل.

ويروى أن عثمان بن عفّان رضي الله عنه جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بألف دينار ذهبي من أجل تجهيز جيش العسرة، ففرغها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل النبي يقلبها ويقول: "ما ضرّ عثمان ما عمل بعد هذا اليوم، قالها مراراً".

تأملوا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما ضرّ عثمان ما عمل بعد هذا اليوم"، وتأملوا في تكراره لتلك العبارة حتى تصل الرسالة إلى عثمان ويحصل الهدف وهو التحفيز، هذا أحد الأمثلة والأمثلة كثيرة بالطبع، ولو كان التحفيز مخططاً له في جهات الأعمال فإن ذلك سيؤدي إلى نتائج عظيمة.

وقد قرأت في الآونة الأخيرة أمثلة تدل على إبداع المسؤولين وكبار القياديين في الشركات العالمية في تحفيز أفراد شركاتهم بتصرفات بسيطة، منها ما قام به رجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون مؤسس ومالك مجموعة فيرجين.

عندما قام بزيارة لأحد فروع شركته فوجد أحد الموظفين نائماً، حيث قام بالتقاط صورة معه وكتب تعليقاً محفزاً يقول فيه: "بذل هذا الموظف جهداً كبيراً وعمل بأقصى ما عنده لتبقى شركتنا في المرتبة الأولى في إرضاء العميل، فتعب قليلاً ما اضطره إلى أخذ قسط قليل من الراحة .. نوماً هنيئاً".

وعندما يكون القائد مبدعاً مؤمناً بأهمية التحفيز في عمله؛ فإنه بلا شك سيجد من الأفكار الخلاقة والإبداعية الكثير والكثير، الأفكار التي تسهم في رفع مستوى الإنتاجية وتحسن من جودة العمل وتسرع من وتيرته، وتجعل الموظف يشعر بالانتماء والولاء لجهة عمله، وبالتالي يؤدي بشكل مضاعف ومتقن، وهو فن لا يجيده إلا القادة المبدعون.