ذكرى البيعة.. والمثلث السعودي الباكستاني التركي

د. راسخ الكشميري
د. راسخ الكشميري

\المبشرات في رمضان هذا العام كانت كثيرة، والتي نأمل أن تستمر ما استمر في حياتنا الليل والنهار، ففي الشهر الفضيل حلت يوم الأربعاء ٢٧ رمضان ١٤٤٣هـ ذكرى بيعة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الخامسة حقق خلالها إنجازات، ورسم خطة يتحقق معها كل يوم تقدم مستمر يراه المواطن والمقيم هنا في المملكة رأي العين، ويقيني أن ٢٠٣٠م سيكون ختامه مسكا، لتبدأ المملكة بعدها في جني ثمار خطتها الفتيَّة بحول الله.

كما شهدت العشر الأواخر من الشهر المبارك زيارتان مهمتان متزامنتان مع بعضهما على وجه التقريب، حيث جاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المملكة للقاء بالقيادة السعودية، كذلك قدم من باكستان بدعوة من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيس الوزراء الجديد محمد شهباز شريف في أولى زياراته الخارجية، هذا التزامن سلسلة من البُشريات التي يود المرء أن يراها في هذه المنطقة بتكرار.

وإذا ما نظرنا إلى القواسم المشتركة في هاتين الزيارتين فإنهما أتتا في سياق ترميم العلاقات أولًا ومن ثم تعزيزها، وتقوية أواصرها، فما حصل في الفترة الماضية من تضارب في المصالح السعودية التركية بسبب بعض الملفات أدى إلى مواقف متشنجة من الجانب التركي بالتحديد، قرأها المطلعون على مستجدات المنطقة بشيء من الشؤم، لكن سياسة النفس الطويل السعودية في التعامل معها في نهاية المطاف أدَّى إلى ما يمكن أن نطلق عليه أنه انقشاع الضباب في العلاقات بين البلدين.

زيارة الرئيس التركي إلى المملكة قُرئت باستبشار، وهي محاولة وسعي من الرئيس التركي لطي صفحة الخلافات مع المملكة، والعمل معا ضمن أطر الملفات الأمنية، والفكرية، والاقتصادية التي تهم البلدين، بالاضافة إلى الخروج من أي عزلة دبلوماسية مع دول المنطقة.

فيما يخص باكستان فالعلاقات بين البلدين أخوية، تاريخية، وثيقة، وأعمق مما يتصورها المرء غير المطلع على غورها، إلا أن الزيارة الأولى لدولة رئيس وزراء باكستان محمد شهباز شريف تتشابه جزئيا في بعض ظروفها مع الزيارة التركية، وذلك لبرود كان قد حصل في العلاقات الباكستانية السعودية السياسية في عهد حزب رئيس الوزراء الأسبق عمران خان (حركة الانصاف) بعد أن اتخذ وزير الخارجية الباكستاني السابق شاه محمود قريشي موقفا قرأتها السعودية على أنه تشنج غير معهود من باكستان حيال القضية الكشميرية.

وكان رئيس الوزراء شهباز شريف في أول خطاب له في البرلمان رسم ملامح علاقته مع المملكة حين خص دقائق للحديث عنها ومواقف قيادتها المشرفة والصادقة مع باكستان، بالاضافة إلى مركزية الحرمين الشريفين بالنسبة للعالم الاسلامي، كما اتجه أول ما اتجه إلى السعودية كما اعتاد رؤساء الوزراء الباكستانيون أن تكون أرض الحرمين الشريفين هي المحطة الأولى لهم في زياراتهم الخارجية.

هذين الموقفين من رئيس الوزراء شهباز شريف لهما دلالة إعادة العلاقات إلى المستوى الطبيعي المطلوب بين البلدين بالرغم من أن الحكومة الحالية حكومة متآلفة من عدة أحزاب، هذا الأمر وإن كان يضع رئيس الوزراء أمام الأمر الواقع الذي يجب أن يتشاور فيه مع الجميع في بعض السياسات الداخلية والخارجية، ولكن رصيد علاقة رئيس الوزراء محمد شهباز شريف مع المملكة أظنه سيكون كافيا لمواجهة التحديات إن أمكن له المشي بتماسك على حبل السياسة الباكستانية المتقلبة.

وقد أرادت بعض الدول خلال الفترة الماضية أن تظهر بين الشارع الاسلامي من خلال الشعبوية ومسالكها، وليس من باب المشاركة والتقدم المشترك، وموقفها وموقف الدول الأخرى الشبيهة لها والتي أرادت الاساءة إلى المملكة من خلال استغلال الأزمات بين الدول الاسلامية مسلك يُعدُّ مرفوضا، فلا يمكن التقدم من خلال هضم حقوق الدول ومحاولات إلحاق الضرر بمصالحها، والتقزيم من دورها، أو الزعم والانفراد بدور إسلامي دون إعطاء مركزية لأرض الحرمين الشريفين.

أما نقاط الخلاف والاختلاف في القضايا فمن الممكن أن يتم مناقشتها بين الطرفين على طاولة المفاوضات، والوصول حيالها إلى مكامن الاتفاق، دون استخدام أدوات شعبوية لتأجيج بلد على آخر، أو أمة ضد ثانية في محاولة لبسط النفوذ، أو التكسب السياسي الشعبوي، فلهذه الأمور مآلات أخرى لا يمكن لأي دولة قبولها خصوصا إذا ما كانت تؤثر على أمنها الفكري أو الاجتماعي أو حتى في محيطها الجغرافي.

في نهاية المقال أعود إلى بيت القصيد ومربط الفرس أن تعزيز العلاقات بين البلدان الاسلامية هو الأصل المنشود، والسير الطبيعي بينها، فعلى سبيل المثال لدى السعودية، وباكستان، وتركيا وغيرها من الدول الاسلامية من الإمكانات ما لو تم توزيعها بحسب ضرورة كل دولة بينها يمكن أن تكون قوة للجميع، فما يجمع الدول الاسلامية أكبر مما يفرقها، ولا بد من الاستفادة الثنائية من خلال تبني مواقف ومصالح اقتصادية واجتماعية وأمنية مشتركة، فكل دولة بما لديها من مقدَّرات تستطيع أن تُشارك في سدِّ الفراغ الموجود في دولة أخرى صديقة، فلا فائدة في أن تفرد دولة عضلاتها، ثم إذا حال على الأمر حولٌ، وتبدَّى الواقع، عادت متوددة، ذلك أمر يزرع الشقاق في أمة يجمعها رب، ودين، وقرآن، ونبي، ومرمى، ومنبع، ومصب واحد.