تأمين المستقبل

بمجرد أن تطرح على أحدهم سؤالاً حول تأمين المستقبل؛ ستتفاجأ بأن أغلب الإجابات التي ستردك سواءاً كانت من موظفين أو طلّاب أو متقاعدين، ستكون الإجابة بأن تأمين المستقبل يكون من خلال عدة أمور هي: السكن والاستثمار فيه، أو الراتب التقاعدي، أو الوظيفة التي تدر دخلاً جيداً على صاحبها، أو الاستثمار في المشاريع التجارية بمختلف أشكالها، أو غير ذلك من الأمور.

ومن وجهة نظري فإن تأمين المستقبل وإن اتفقنا أنه أمر في علم الغيب، إلّا أنه لا يجب أن يكون النظر إليه بتلك النظرة المحدودة، وألّا يتم اختزاله في ذلك المفهوم الضيق، فالمستقبل في اعتقادي يجب أن تكون نظرتنا له أشمل وأوسع، بحيث يكون الاستثمار الحقيقي في أنفسنا وفي مهاراتنا وتخصصاتنا وخبراتنا، فعندما نعمل في وظيفة معينة لمدة تتجاوز عشرين أو ثلاثين سنة أو أكثر؛ فنحن أصبحنا نمتلك كنوزاً من الخبرات التي لا تقدّر بثمن، وتلك الخبرات والمؤهلات والتجارب التي حصلنا عليها هي التي ستفيدنا في مراحل قادمة من حياتنا، وأهمها مرحلة ما بعد التقاعد.

إذا كنت تعمل في وظيفة فطّور من مهاراتك فيها؛ حتى تتميز عن غيرك وتصبح مطلوباً في مجالك، وإن كنت ممن يمتلكون المهارات الخاصة فاعمل على صقلها والاستفادة منها؛ فكم من موهوب أصبحت موهبته مصدر رزقه وأغنته عن وظيفته، وإن كنت تمتلك تخصصاً معيناً أيّاً كان هذا التخصص فتعمق فيه؛ فقد تكون الفرصة التي تبحث عنها في مجالات أخرى هي قريبة منك وأنت لا تعلم عنها.

كثيرون أولئك الذين اعتقدوا بأن تأمين المستقبل سيتحقق من خلال شراء منزل العمر لعائلاتهم؛ فتكبدوا الديون لسنوات طويلة ولم تفلح خططهم بتأجير بعض أجزاء المنزل؛ فعضّوا أصابع الندم، وكثيرون أيضاً ممن اعتقدوا بأن التقاعد بعد الحصول على راتب جيد سيضمن لهم حياةً كريمة، فاضطروا للبحث عن وظائف أخرى برواتب أقل مما كانوا يستحقونه، وغيرهم ممن دخل مجال التجارة أو رعى في حماها فتفاجأ بكثرة الإنفاق وقلة الدخل، لذلك إن كنت ترغب في تأمين مستقبلك بإذن الله؛ فاستثمر في نفسك، فهي الاستثمار الحقيقي.
وأنا هنا لا أدعو لعدم شراء المنازل أو أحذر من الدخول لعالم التجارة، وأدّعي بأنها تؤدي لتراكم الديون، لكني أدعو لتعزيز مفهوم التنمية البشرية والتطوير الذاتي لكل فرد؛ لأن ذلك بعد توفيق الله سبحانه سيحقق لنا العديد من المكاسب التي من بينها شراء منزل العمر، ونجاح المشاريع التجارية، وقد يكون ذلك في مدّة أقصر ممّا لو أهملنا أنفسنا، ولم نستفد من خبراتنا ومهاراتنا.