الدقائق الضائعة

لا أقول سمعت من فلان عن فلان بأن آخر ذكر له عن غيره و تطول السلسلة هكذا من كثرة الناقلين . بل أقول حدثنا الشخص الذي رأى و عايش هذه القصة بنفسه .
أتذكر أحد أعضاء هيئة التدريس بمرحلة الدراسة الجامعية ( البكالوريوس ) عندما ذكر لي قصة عجيبة ، ما زلت أتذكرها رغم مرور السنوات . فقد قال : أن أحد طلابه استطاع حفظ القرآن الكريم كاملا خلال خمس سنوات و هي الفترة التي قضاها الطالب في الجامعة حتى تخرج .

قد تتساءل في نفسك ماهو العجيب و الغريب في الموضوع ؟! فكثير هم حفظة القرآن الكريم _ و لله الحمد _ أكمل القصة يا صديقي و ستعرف .
الغرابة لم تكن في حفظه للقرآن ، فكما ذكرت في نفسك أن ما فعله كثير _ و لله الحمد _ . لكن أعتقد _ والله أعلم _ أن مكان حفظه للقرآن و وقت حفظه للقرآن هو الغريب جدا .

لنكمل القصة سويا . يقول الدكتور الذي درسنا : أن الطالب الذي حفظ القرآن الكريم كاملا خلال فترة دراسته بالجامعة كان اسمه يأتي دائما في بداية كشف تحضير الطلاب مع بداية كل محاضرة بسبب ترتيب اسمه الهجائي . فهو لا يخرج غالبا عن الثلاث الأوائل في ترتيب الأسماء ، فعندما كنت أنادي اسمه أو ينادي أحد أعضاء هيئة التدريس الذي يدرسونه اسمه فكان طبيعيا يقول الطالب( حاضر يا دكتور ) .. و ينتظر الطالب قرابة الخمس إلى سبع دقائق و قد تمتد إلى عشر دقائق حتى ينتهي الدكتور من تحضير جميع من في القاعة . فهنا كان السر و العجب ، حيث كان الطالب عندما ينتهي من تحضير نفسه يخرج المصحف و يبدأ بحفظ ما تيسر له في هذه الدقائق الضائعة على أغلب الطلاب ، وذلك من بداية دراسته الجامعية إلى آخر يوم دراسي له بالجامعة . ابتدأ أول يوم دراسي في حياته الجامعية بحفظ قصار السور فقط و استمر يوميا و في كل محاضرة على هذه الطريقة، حتى أتت آخر محاضرة له في حياته الجامعية بعد مرور خمسة أعوام و هو حافظ لكتاب الله كاملا ، وذلك باستثمراره هذه الدقائق بداية كل محاضرة في تحضير الطلاب .

يالله !! كيف فكر هذا الطالب باستثمار هذه الدقائق الضائعة على الأغلب ؟! و كثير من الدقائق الضائعة في حياتنا ! لكن توفيق الله أولا و أخيرا له ثم همته العجيبة في ذلك .

همست في نفسي و قلت : عندما يوفقك الله لمثل ذلك فهو خير كبير . فاستثمارك للأوقات و الاستمرار في ذلك ستجد نفسك بعد أيام و شهور و سنين شخصا آخر . ستتتطور شخصيتك و ستمتلك مهارات عدة . ليتكون رقما صعبا ، حتى و إن كانت ملاحظات أو أمور غير إيجابية في شخصيتك .
فبالتدرج و الاستمرار على تركها و تزكية نفسك للخلاص من أخطائك .

ياربي و يا أملي و يا حبي :
جسدي سادَهُ ظلام البعد عنك ،
فأيقظ حبك في نفسي ،
و املأ عروقي من نورك يالله ..