الدكتور خالد الثبيتي يكتب: مستقبل مراكز الفكر

تُعد مراكز الفكر من أبرز سمات المجتمعات المتقدمة التي اقتضت الضرورة التنموية وجودها؛ لأنها الطريق الأمثل للحصول على المعرفة المتخصصة والتطبيقية في المجالات المختلفة، وما تقوم به من دور في تعميق الفهم بالمستقبل وتفسيره، ومن ثم التنبؤ به لتمكين المسؤولين وواضعي السياسات العامة من التوصل إلى أحدث ما بلغ له العلم فيما يخص البرامج والمشاريع التنموية لتحقيق الأهداف المنشودة.
فدور مراكز الفكر ليس دوراً استشارياً فقط من خلال تقديم الرأي والمشورة للمسؤولين وصناع القرار، بل فتح قنوات الاتصال بين المجتمع والدولة ووسائل الإعلام؛ لأنها تسلط الأضواء على أهم القضايا والاحتياجات المجتمعية، وأولويات التنمية في المجتمع.
كما تقدم مراكز الفكر تفسيرات لوسائل الإعلام وأفراد المجتمع حول مستجدات السياسة العامة، فتلك المراكز تقوم بدور سد الفجوة بين النظرية والتطبيق، وتقديم شراكة فعّالة بين البحث والممارسة، وتصنع مراكز الفكر فضاء تواصل مؤثر وفعال في صناعة القرار ورسم السياسة العامة والاستراتيجيات المستقبلية.
إن مراكز الفكر منظمات للتحليل والبحث في مجال السياسة العامة تتولد فيها أبحاث وتحليلات ومشورات موجهة نحو السياسة العامة بشأن القضايا المحلية والدولية، بما يُمكن واضعي السياسات والجمهور من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن السياسة العامة، فهي تعمل كجسر بين الأوساط الأكاديمية ومجتمعات صنع السياسات وبين الدولة والمجتمع، وتعمل من أجل المصلحة العامة كصوت مستقل يترجم البحث التطبيقي والأساسي إلى لغة مفهومة وموثوقة ومتاحة لصانعي السياسات والجمهور.
وينبغي أن نفرق بين المراكز البحثية العامة ومراكز الفكر، فليس بالضرورة أن يكون كل مركز بحثي مركز فكر، في حين أن كل مركز فكر هو بالضرورة مركز بحثي حيث إن من أهدافه تقديم أدوار استشارية لواضعي السياسات.
تختلف مراكز الفكر اختلافاً كبيراً في حجمها وهيكلها ومواردها المالية وموظفيها ومجالات تخصصها وأهميتها السياسية وكذلك في أجندتها البحثية، وهذه الغايات الكبيرة تجعل من الصعوبة تحديد سمة عامة يمكن الاتفاق عليها تتميز به مراكز الفكر.
ويُنظر إلى مراكز الفكر على نحو متزايد من حيث واقع أبحاث السياسات ومجموعة من الممارسات التحليلية أو الاستشارية المتعلقة بالسياسات.
وخلال الخمسين سنة الماضية توجه تركيز مراكز الفكر بشكل كبير نحو تطوير السياسات العامة، وقد حدث هذا حينما أصبح هناك تنوع في باحثي مراكز الفكر من علماء السياسة والاقتصاديين والإداريين والاستراتيجيين وغيرهم؛ من أجل توسيع تفكيرهم، وسرعان ما تم الاعتراف بأن هذا التنوع الواسع هو أولوية وطنية، فما تقدمه هذه المراكز من نتاج معرفي قد يصنع حاجات حكومية ومجتمعية لم تكن في السابق، كما أن التغييرات والتحديثات الحكومية والمجتمعية تتطلب من مراكز الفكر أن تنمو وتتطور للقيام بأعمال جديدة تواكب التحديثات والحاجات المستجدة.
ولابد أن تتفق مراكز الفكر على مبدأ أساسي مشترك وهو ضرورة تجميع العقول الساطعة لتطوير الأفكار الإبداعية.
ومراكز الفكر في عالمنا المعاصر من المؤسسات التطويرية الرائدة والتي لا يمكن قيام أي نهضة علمية في أي بلد بدونها كما أن هناك علاقة وثيقة بين عمل مراكز الفكر وعملية صنع القرار.
فمن أهم وظائفها أنها تقوم بتحليل الواقع، وتقديم رؤى مستقبلية من أجل النهوض بواقع جديد أو تطوير الواقع الحالي إلى مستوى أفضل وفق مرجعيات أكاديمية واستراتيجية بعيداً عن الارتجال أو النظرة الأحادية.
وتعمل مراكز الفكر على تدريب جيل جديد من القيادات الفكرية، فالدور الذي تنهض به هو أساس النهوض الحضاري للمجتمعات والتخطيط الاستراتيجي والعمل العلمي الممنهج المبني على أسس وخطط محددة المسار واضحة الهدف منتظمة في نسقها واقعية في طرحها وعملية في معالجتها للمواضيع قيد البحث.
إن الدور المستقبلي لمراكز الفكر يُعد مؤشراً على درجة نضج مؤسسات الحكم والإدارة في المجتمع، وعلى تعدد وتنوع المجموعات العلمية والبحثية.

أ.د. خالد بن عواض الثبيتي
أستاذ القيادة والتخطيط الاستراتيجي