شيطنة الإدارة

كتبت في شهر مارس الماضي سلسلة من التغريدات حملت عنوان "الفرق بين الإدارة والقيادة ومنها:

  • الإدارة: تقرأ النظام
  • القيادة: تفهم النظام
  • الإدارة: هدفها الكرسي
  • القيادة: وسيلتها الكرسي
  • الإدارة: تعتمد على الإمكانات
  • القيادة: تصنع الإمكانات

وغيرها من المقارنات التي أدت إلى وصول عدد المشاهدات إلى أعلى من (191 ألف مشاهدة) وعدد كبير من التفاعلات والردود، كان من أبرزها أن هذه المقارنة شيطنة الإدارة.

وكما نعلم أن الإدارة علم له أسسه وأصوله، وفن له أدواته ووسائله، وممارسات لها نماذجها وتطبيقاتها، بدءاً من مدرسة الإدارة العلمية على يد مؤسسها المهندس "فريدريك تايلور"، ثم ظهرت مدرسة العلاقات الإنسانية في الإدارة بنظرياتها المختلفة على يد مؤسسها"التون مايو" كردة فعل على المدرسة العلمية لإهمالها النواحي النفسية والاجتماعية عند الموظفين.

وفي خمسينات القرن العشرين ظهرت المدرسة السلوكية في الإدارة؛ نتيجة دمج المدرستين السابقتين على يد عدد من العلماء والمختصين والتي انتجت عدداً كبيراً من النظريات والنماذج الإدارية، حتى ظهرت المدرسة الحديثة في الإدارة على يد مؤسسها " بيتر دراكر" الذي أنتج عدداً كبيراً من كتب الإدارة من أهمها "فن الإدارة" و "ممارسة الإدارة" وغيرها من الكتب.

والسؤال: هل الإدارة بعد العلم والفن أصبحت شيطان؟

ومن المقولات الشهيرة للدكتور غازي القصيبي رحمه الله في كتابه "حياة في الإدارة" مقولة: "إذا أردت لموضوع أن يموت فشكل له لجنة"، والتي أصبحت أيقونة يرددها الكثير في الندوات والمؤتمرات والاجتماعات والاحتفالات.

وكأن تلك المقولة تنسف عنصراً مهماً من عناصر الإدارة ألا وهو "فرق العمل" كنموذج له أسسه وعناصره وأدواته وتطبيقاته، بل إن الشركات العالمية ترتكز في نجاح أعمالها وتوفقها على فرق العمل.

والسؤال: ما الذي جعل "فرق العمل" كنموذج للإنجاز والتطوير شيطاناً؟

وحينما تسأل معظم الناس ما رأيكم في البيروقراطية؟

تكون إجاباتهم أن البيروقراطية تعني بطء الإجراءات، وتأخر المعاملات، وقلة الحرية، وضعف المرونة، وانخفاض المعنويات وغيرها من السلبيات.

مع العلم أن نموذج البيروقراطية الذي قدمه عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر هو تصور (تفسير) للواقع يقصد به تسهيل فهم ظاهرة التنظيم بشكل مبسط وبأسلوب معين، ويتضح ذلك في الخصائص الأساسية للنموذج.

ويعتبر النموذج البيروقراطي أول نموذج متكامل للمنظمات، ويمثل اللبنة الأساسية لنظرية التنظيم الإداري، وأحد النظريات الثلاثة للمدرسة الكلاسيكية في الإدارة والتي هي النموذج البيروقراطي، والإدارة العلمية لفردريك تايلور، ونظرية التنظيم الإداري أو المبادئ الإدارية للوثر جوليك وهنري فايول.

والسؤال: ما الذي جعل "البيروقراطية" كنموذج مثالي للتنظيم الإداري شيطان؟

الجواب على كل تلك الأسئلة والأسئلة المشابهة لها والتي حولت الإدارة كممارسة على أرض الواقع إلى شيطان يعادي الإنسان ويقتل طموحاته ويعطل أعماله هي الأسباب التالية:

  • أن الإدارة علم وفن له أسسه وأصوله ونظرياته ونماذجه وتطبيقاتها الصحيحة، وينبغي على كل من يتولى عملاً إدارياً في المؤسسات والمنظمات الحكومية والخاصة والغير ربحية في المستويات الإدارية العليا والوسطى والتنفيذية أن يكتسب الأسس والمهارات والقدرات الإدارية ويتمكن من ممارستها بفعالية وكفاءة عالية.
  • أن الممارسات السابقة والحالية الخاطئة للعمل الإداري لمن يتولون أعمالاً إدارية مختلفة في المؤسسات هم السبب الأول والرئيس في شيطنة الإدارة، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة.
  • إذا كان المريض يحتاج طبيباً متخصصاًمتمكناً لعلاجه، والطائرة تحتاج كابتناً مؤهلاً مدرباً متمكناً يقودها، فكذلك المؤسسات والمنظمات المختلفة تحتاج إدارياً متخصصاً مؤهلاً مدرباً متمكناً يُديرها بنجاح وتفوق.

ختاماً إذا أردنا أن نخرج الشيطان الذي تلبس بالإدارة في أعمالها وممارساتها، فعلينا أن نخلص المؤسسات والمنظمات ممن يُمارسون الإدارة من غير كفاءة في الأداء، ولم يتمكنوا من أسس الإدارة ووظائفها وأدواتها.